إذا قال: أوصيت لك أن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فإنه يكون إباحة لا تمليكا، وفي كلام الفقهاء ما يدل عليه، لأنهم قالوا في الأمة: يجوز أن يوصي لشخص بمنافعها، والآخر برقبتها.
ومنها: لو وكله، وقال: وكلتك في أن تبيع هذا، أو أن تشتريه، أو في أن تصدق به، أو في أن تقفه، تارة يكون قصد الموكل بهذا أن لا يوكل، فليس للوكيل أن يوكل فيه، وتارة لا يكون له قصد، فهذا يجوز للوكيل أن يوكل بشروط، والله أعلم بالصواب.
[القاعدة الخامسة والعشرون]
قاعدة: قد يحذف المصدر وتقام صفته مقامه.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت واحدة، وقع عليها واحدة، وإن وقع بالرفع، فهي من كنايات الطلاق الخفية، جزم به في "المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد، ويقع بها ما نواه من واحدة وثلاث، وما نوى.
ومنها: إذا قال: أنت طالق أقل من طلقتين، وأكثر من واحدة وقع طلقتان، وأفتى بهذا أبو المعالي من أصحاب الشافعي.
وأفتى أبو إبراهيم بوقوع ثلاث، لأنه قال: أقل من طلقتين وقعت واحدة، وأكثر من واحدة وقع ثلاث.
[القاعدة السابعة والعشرون]
قاعدة: المصدر لا يشتق من المصدر بلا خلاف بين النحويين إنما اختلفوا أن المصدر.. هل هو أصل والفعل والوصف مشتقان منه؟ أو أن الفعل أصل والمصدر والوصف مشتقان منه؟ أو أن كلا منهما أصل بنفسه؟ فيه أقوال للنحاة.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة" الكتاب مشتق من الكتب، والكتب مصدر، والكتاب مصدر ذكر ذلك الفقهاء، وقد رد بعضهم كلام الفقهاء، وقال المصدر لا يشتق من المصدر.
وقد أجاب عنه شيخنا تقي الدين بن قندس فقال: "الفقهاء لم يقولوا: الكتاب مشتق من الكتب، إلا بعد حكمهم على"الكتاب" بأنه اسم مفعول، ولهذا قالوا: "كالخلق بمعنى المخلوق"، والله أعلم بالصواب.
[القاعدة الثامنة والعشرون]
قاعدة: "مع" اسم استصحاب، وحركته إعراب، يجوز بناؤه بالسكون على لغة، وأصلها "معي"، فحذفوا الياء للتخفيف إذا علمت هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال أنت طالق طلقة مع طلقة، أو معها طلقة، طلقت طلقتين. جزم به في "المقنع" وغيره من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله.
ومنها: إذا أوقع بامرأته طلاقا، أو ظهارا، أو إيلاء، أو غيره، ثم قال لأخرى: أنت معها، وقع بها مثل ما وقع بالأولى. جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا قال: زنيت مع فلان، كان قذفا لها.
ومنها: إذا قال: له علي درهم مع درهم، لزمه درهمان. جزم به الأصحاب، وعند الشافعية يلزمه درهم.
ومنها: إذا حلف لا يخرج من البلد إلا معه، فخرجا معا، لكن تقدم أحدهما عن الآخر خطوات، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، لكن الذي ينبغي عدم الحنث، وللشافعية وجهان، وصحح في "الروضة لهم عدم الحنث.
ومنها: إذا قال لوكيله: بع هذا العبد مع هذا الآخر، فإن كان قصده اجتماعهما في البيع، فليس للوكيل التفريق بينهما، وإن لم يكن قصده ذلك جاز.
ومنها: إذا قال: بعتك هذه الدابة مع أخرى في البيت، فلا يصح، وكذا كل ما جمع فيه بين معلوم ومجهول.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا مع عمرو، فأنت طالق، فلا تطلق حتى تكلمهما. وهل تطلق إذا كلمتهما منفردين، أو لا بد من اجتماعهما؟ الذي ينبغي أن لا تطلق حتى تحدثهما مجتمعين، صرح بهذا بعضهم. وذكر الرافعي: ويحتمل أن تطلق حيث وجد الكلام، وهو المتباردر إلى الذهن من الحالف، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أنت طالق طلقة واحدة مع طلقتين، طلقت ثلاثا، كما جزم به الأصحاب، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف: لا أقام مع زيد، أو لا جلس معه، فجلس في قوم هو فيهم، فإن كان يعلم حنث، وإن لم يعلم لم يحنث، فإن علم وهو بينهم خرج، فإن لم يخرج حنث.
ومنها: إذا حلف: لا أقمت مع الماء، وكان الماء راكدا، حنث، وإن كان جاريا لم يحنث، إذا كان يرى الماء الذي هو فيه بعينيه.
ومنها: إذا حلف: لا أقام في هذه الساعة، لم يحنث لأنه لا يقيم فيها، لأن المذكور مثل الماء الجاري، والله أعلم.
[القاعدة التاسعة والعشرون]
قاعدة: إذا قطعت "مع" عن الإضافة، فإنها تنون، وتكون مثل "جميعا" في المعنى.
قال أبو حيان: "ومعناها لا تدل على الاتحاد في الوقت، بل معناه التأكيد، وقال أحمد بن يحيى: "تدل على الاتحاد في الوقت".