ومنها - ما قاله الأسنوي: إذا قال: لي عليك ألف، فقال المدعى عليه: إلا عشرة أو غير عشرة أو نحو ذلك، فهل يكون مقرا بباقي الألف؟ أما باقي الألف فهو مقر بها، وليس مقرا بالعشرة. وهذه المسألة والله أعلم ليست من فروع هذه القاعدة.
ومنها: إذا قال رجل: امرأة فلان طالق، فقال الزوج: ثلاثا، فقال الشيخ تقي الدين: تخرج على وجهين، ذكره القاضي علاء الدين في "القواعد".
ومنها: إذا قال: لي عليك ألف، فقال: صحاح، ففيها وجهان ذكرهما القاضي علاء الدين، والله أعلم. قال الشيخ تقي الدين: "هذا أصل في كل كلام من اثنين"، أي كل كلام صدر عن شخصين، ففيه وجهان.
ومنها: إذا قال العبد: أنا، فقال السيد: حر، عتق العبد لأنه قد أتى بصريح العتق فوقع.
ومنها: إذا قال: إن كلمت إحداكن زيدا كلمة فهي طالق، فكلمتاه - الثنتان - كلمة لا تطلقا إلا أن يكون قصد عدم الكلام بالكلية، وذكروا ما يشبه هذا. فإن قال: إن كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان، فكلمت كل واحدة واحدا طلقتا، جزم به الأصحاب.
والمسألة الثانية: إذا لم يقصد المتكلم كلامه، ككلام النائم والساهي والطيور.
ومنها: إذا تكلم في الصلاة ساهيا لغير مصلحتها فهل تبطل صلاته؟ في المسألة روايتان عن الإمام أحمد، الصحيح: البطلان جزم به أكثر الأصحاب.
ومنها: إذا قرأ ساهيا أو نائما أو طيرا سجدة، فهل يلزم من سمع السجود؟ الذي جزم به الأصحاب لا يلزمهم السجود، لأنهم قالوا: يعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما له، وهؤلاء لا يصلحوا أن يكونوا أئمة، إلا اللهم أن نقول في الساهي: يلزم فيه السجود إذا كان يصلح إماما، والله أعلم.
ومنها: إذا وقف النائم أو الساهي، لم يثبت الوقف لأن النية معتبرة في الوقف، ولا نية هنا.
ومنها: إذا أتى بصريح العتق، عتق من الساهي، ولم يعتق من النائم، وكذا النكاح والطلاق، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يكلم زيدا، فكلمه نائما، أو جاهلا لم يحنث.
ومنها: إذا أقر النائم لم يصح، ولا الساهي.
والمسألة الثالثة: الكلام الذي لا فائدة فيه، مثل الشمس حارة، والسماء فوق الأرض، ويؤيد عدم تسميته كلاما.
منها: إذا حلف: لا أصعد السماء لو أن طرت أو قلبت الحجر ذهبا، أو رددت أمس، أو شربت ماء الكوز، ولا ماء فيه، أو شاء الميت، لم يحنث.
ومنها: ما قال الأسنوي: إذا حلف أن لا يحلف، قال: يرجح أصحابهم عدم الانعقاد، فلم أر فيها لأصحابنا شيئا، والله أعلم.
[القاعدة الرابعة]
قاعدة: يطلق الكلام على المعاني النفسانية، الصحيح في "الارتشاف" أنه إطلاق مجازي، وقيل مشترك بينهما، وقيل هو حقيقة في النفساني دون اللساني.
إذا علمت هذا. . فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يتكلم، ولا يقرأ، ولا يذكر، لم يحنث إلا بما لفظ بلسانه دون ما خطر بقلبه، أو أتى به قلبه.
ومنها: الغيبة: ذكر الشخص بما يكرهه، فلو خطر بقلبه لم يكن كذلك، وذكر الأسنوي عن الغزالي والنووي بلى.
ومنها: لو طلق بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه وقع، جزم به ابن رجب في "شرح البخاري"، والله أعلم، وصح عن مالك أنه إذا أتى به بقلبه بلا لفظ. روايتين.
ومنها: الجنب يحرم عليه قراءة القرآن، فلو أتى بقلبه لم يحرم، جزم به غير واحد من الأصحاب، كما يأتي في الكتابة.
ومنها: الصائم إذا شتم استحب أن يقول: إني صائم، فيقول بقلبه وهو قائم مقام اللفظ، وقيل: يقول باللفظ، وقيل: باللفظ في رمضان، وبالقلب في النفل، أو واجب غيره، والأولى عندي عكسه، والله أعلم.
ومنها: أن الصائم يحرم عليه الرفث والفسوق والشتم ونحوه، وكذا الحاج، فلو أتى به قلبه كان حراما.
ومنها: العتق والنذر يصح بقلبه، ولو لم يأت بلفظه.
[القاعدة الخامسة]
قاعدة: يطلق الكلام أيضا على الكتابة والإشارة وما يفهم من حال الشيء، إلا أن الصحيح - كما قاله في "الارتشاف" - أنه إطلاق مجازي، وليس من باب الاشتراك.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة: الأذان لا يصح بالإشارة لأنه إعلام، لأنه لا يحصل بالإشارة، والله أعلم.
ومنها: خطبة الجمعة، هل تصح بالإشارة، إذا كانوا جميعهم طرشانا، أو يصلون ظهرا؟ فيه وجهان. الذي قدمه ابن تميم يصلون ظهرا، وهو الصحيح ومنها: الأمان يصح بالإشارة، جزم به في "الوجيز" بكل ما يدل على الأمان، والله أعلم.