وإن اختلفت الألفاظ، وهي ست مسائل فضابطها: إن كل ما اجتمع فيه "قبل" و "بعد" فألغهما نحو قبل بعد بعده، وبعد قبل قبله، فاعتبر الثالث.
فإذا قال: قبل بعد بعده، أوبعد قبل قبله فألغ اللفظين.
الأول: يصير كأنه قال في الأول: بعده رمضان، فيكون شعبان.
وفي الثاني: كأنه قال: قبله رمضان، فيكون شوال.
وتقرير هذا أن كل شهر واقع قبل ما هو بعده، ويعد ما هو قبله، وإن توسطت لفظة بين مضادين لها، نحو قبل بعد قبله، وبعد قبل بعده، فألغ اللفظتين: الأول: فيكون شوال في الصورة الأولى، كأنه قال في شهر قبله رمضان.
وشعبان في الثانية، كأنه قال: بعده رمضان.
وإذا قال: بعد بعد قبله، أو قبل قبل بعده، هما تمام الثمانية.
طلقت في الأولى في شعبان، فكأنه قال: بعده رمضان.
وفي الثانية في شوال، كأنه قال: قبله رمضان، والله أعلم.
ومنها: إذا قال السيد لعبده: أنت حر بعد موتي، فإنه يصح ويعتق بعد موته.
ومنها: إذا قال: إذا عتق سالم، فأنت حر بعده صح، ومتى عتق سالم عتق عبده، لأنهم ذكروا أن العتق يصح تعليقه بالصفات، وهذا من جملتها.
ومنها: إذا قال: أنت طالق بعد موتي، لم تطلق، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: إذا تزوج أمة أبيه، ثم قال: أنت طالق بعد موت أبي، فمات أبوه، لم تطلق، قدمه في "المقنع"، ويحتمل أن تطلق.
ومنها: إذا قال: أنت طالق اليوم وبعده وبعده، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ في المسألة وجهان حكاهما الأصحاب.
ومنها: إذا قال: بعد ما أطلقت فأنت طالق، ثم طلقها، فالذي ينبغي أن لا تطلق إلا واحدة إن كان الطلاق بائنا، مع أني لم أر للأصحاب فيها كلاما، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: له علي درهم بعد درهم، فإنه يلزمه درهمان، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد، منهم الشيخ موفق الدين في كتبه وصاحب"الوجيز" وغيرهم.
ومنها: إذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي، بطنا بعد بطن.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "هذا ترتيب جملة".
قال صاحب "الفروع": "مع أنه محمتل، فإن زاد على أنه، إن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه ابتدأ في حياة والده أي الواقف وله ولد غير الذي مات، ثم مات الأب أي الواقف عن أولاده لصلبه وعن ولد ولده لصلبه، الذي مات أبوه قبل استحقاقه، فله معهم ما لأبيه لو كان حيا، فهو صريح في ترتيب الأفراد.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا فيما إذا قال: بطنا بعد بطن، ولم يزد شيئا: "هذه مسألة فيها نزاع، والأظهر أن نصيب كل واحد ينتقل إلى ولده، ثم إلى ولد ولده، ولا مشاركة".
وقال صاحب "الفروع" في أول هذه المسألة: "ولو قال أولادي، ثم أولادهم، ثم الفقراء، فترتيب جملة، وقيل: أفراده".
وفي الانتصار: "إذا قوبل جمع بجمع، اقتضى مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة، فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد، وإن لم يستحق أبوه، قاله الشيخ تقي الدين".
وأن الأظهر فيمن وقف على ولديه نصفين، ثم أولادهما وأولاد أولادهما، وعقبهما بعدهما بطنا بعد بطن، أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى والده، ثم ولد ولده، ولا شك أنه ترتيب، لكن الخلاف هو: هل هو ترتيب جملة أو أفراد؟.
وعند الشافعية: هو ترتيب، صرح به البندنيجي، والماوردي، وإمام الحرمين، والغزالي، والقاضي حسين، وصاحب "الذخائر"، وصححه صاحب "التعجيز"، وهو المذكور في فتاوى الشيخ تقي الدين بن رزين، ونقله الرافعي عن الزيادي.
وذهب العبادي والفوراتي والبغوي إلى عدم الترتيب، وصححه الرافعي تقليدا للبغوي، ثم النووي تقليدا للرافعي. قال الأسنوي "وهو باطل بحثا ونقلا". والذي يظهر لي من كلامهم أن اختلافهم هل هو ترتيب أم لا؟ أنه إذا لم تقل: إنه ترتيب، كل ما مات أحد من الطبقة انتقل نصيبه إلى ولده، ومن قال: إنه ترتيب يقول: لم يستحق أحد من الأولاد شيئا حتى ينقرض جميع الآباء، ثم ينتقل إلى البنين، ثم إذا انقرضوا إلى بنيهم، وإن مات أحد البنين عن أولاد، وعن إخوته الذين هم طبقته، إنما ينتقل إلى إخوته لا إلى ولده، فإذا انقرض إخوته انتقل إلى أولاده وأولادهم.
[القاعدة الثالثة والثلاثين]
قاعدة: "إذ" ظرف للوقت الماضي من الزمان، لازم للنصب على الظرفية، والإضافة على جملة ملفوظ بها أو مقدرة.