فإذا تعلم الكلب الكسرات والردات، أرسله على أرنب لطيفة ولا يرسله على الثعلب في مبدأ أمره، وإن حصل على أرنب لطيفة وشد على أعصابها وخلاها كان ذلك أولى وأحسن، فإذا فعل ذلك مراراً أرسله مع كلب آخر أعرف منه بالصيد، وهكذا ينبغي أن يفعل لمن أراد أن يضري الصيد ليخرج كلبه جواداً.
وللناس في كل شيء مذاهب، وينبغي أن لا يطعم الكلب في النهار إلا مرة واحدة وخير ما أكل الكلب الخبز وحده، لمن أراد أن يجود عدوه، ولا يخلى على المزابل يأكل ما لقي فإن ذلك يفسده، وينبغي أن يضمر مثل تضمير الفرس، وأن يعرف مقدار طعمه كما يعرف مقدار طعم البازي وغيره ولا يطعم اللحم إلا من الصيد عند صيده إياه، فإن اللحم يسمن الكلب، وإذا سمن قل عدوه ولا بأس بأن يطعم مع الخبز دهن الأكارع بحيث يلوث الخبز ما لا يثرد فيه كما تفعله الجهلة برياضة الكلب ويسير في كل جمعة مرتين.
قال محمد بن منكلي، ختم الله له بالحسنى: ويجب على المتصيد أن يتقي نجاسة الكلب، فإن النصوص الشرعية جاءت بالإعلام عن نجاسته خلافاً لبعضهم. والإمام مالك قرنه بالخنزير، ومن المعلوم أن في نجاسة عينه خلاف ولا يقتدى بمن يلبس كلاب الصيد إجلال الحرير، فإن ذلك بطر وبذخ وقلة فطنة ويسامح بإلباس كلاب الصيد الجلال من الخرق المصبوغة كالأصفر والأحمر.
ومن الغواة للصيد من يترك الكلب لينام على فراشه ويجلس على وسادته ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الاحتفال بدينه غير متحرٍ فيه، نسأل الله العفو، ولا يمنع تغطية الكلاب واستدفائها وغيرها إلا الحرير، وعلم إباحة ذلك لكن ذلك تبذير. فلا يقتدى بجهلة عرب البادية وعفاشتهم، وعدم توقيهم النجاسات حتى أن أحدهم قد ينام والكلب في حضنه وغير ذلك من القبائح المحرمة.
وأجناس الكلاب خمسة منها: الصيدي المعروف بين الناس المرغوب فيه، والزغاري وهو النشاق والحبك وهو أصل آخر لا ينفع لشيء من الصيد، وهو ألطف ما يكون من هذه الأجناس ترغب فيه المكاريه في الإسطبلات، وتعلمه البغاددة فيقفز في الطار وهو مما يضحك عليه الصبيان. والمشّبة والدبيسي الذي يكون في الأسواق وفي القرى للحراسة للدروب والغنم، وهذه الكلاب هي التي نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن تربيتها إلا لذلك.
قال مكحول الفقيه، رحمه الله تعالى: إذا أرسلت كلبك المعلم فأكل من طريدة فاضربه أسواطاً وأوقفه على جرمه، فإنك إن فعلت به ذلك لم يعد إليه إن شاء الله تعالى، ومدح بعضهم كلب صيد، فقال:
ومؤدب الأنساب يمسك صيده ... متوقفاً عن أكله كالصايمِ
طربٌ إذا ما صادَ عانق صيده ... طرب المقيم إلى عناق القادمِ
وقد قيل في مثل ذلك كثيراً.
والكلبة تحيض في كل سبعة أيام، وعلامة ذلك ورم أشفارها، وهي تحمل ستين يوماً، ومنها ما يحمل خمس السنة، ومنها ما يحمل ربعها، وما ولدته قبل الستين لا يعيش.
وتضع جراها عمياء، فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوماً، ويظهر لبنها بعد حملها بثلاثين يوماً، وهي تعيش إلى عشرين سنة، وإذا هاجت ترى عليها كلاب عدة، أبيض وأسود وأبقع وأصفر، فتؤدي إلى كل سافد شبهه وشكله، والكلب يقظ في نومه جداً، ويقال إنه في حال نومه أسمع من فرس.
ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس، وأهل الوجاهة فلا ينبح عليهم وربما حاد لهم عن طريقه، ومن طباعه أيضاً أنه يأكل للقناعة لا للشبع، إن في هذا لعبرة للإنسان العاقل.
والكلب يقبل التأديب والتعليم والتلقين، وهو أهدى من الفيل والدب والقرد. حتى لو وضع على رأسه مسرجة ورمي له قطعة لحم لم يلتفت إليها، فإذا أخذت عنه المسرجة عاد إلى اللحم، وهو يعيش على الجراح التي لا يعيش معها غيره. وقد ألهمه الله تعالى، إذا كان في بطنه دود وأكل السنبل ثم يتقيأه فيرمي معه ما في بطنه من الدود، ويطول الكلام لو أردنا الشرح مثل ذلك.
ومن خواص أجزائه، نابه، إذا علق على من به يرقان ظاهر نفعه، وإن علق على من به عضته نفعه، وإن علق على صبي خرجت أسنانه بغير تعب وإن علق على من عادته التكلم في نومه لم يتكلم في منامه، وإن علق على إنسان لم يعضه كلب كلب، وإن طلي لبن كلبة على البطن لم ينبت به شعر أو حلقه مثل النورة، ومن أخذ يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس التراب الذي يبول عليه الكلب وجبل وجعل بنادقاً وعلقت على المحموم سكنت الحمى.