وينبغي أن يعلم بازه متى صاح صاحبه يا فلان أن يثب بازه إلى يده من غير أن يناوله إياه، وأن يكون هو الذي يتناوله من يده ليكون الأدب والاحترام إلى الصاحب وحده.
وينبغي إذا تصيد به، وكان ثم نهر أن يكون جنبه اليمين إلى النهر الذي يتصيد عليه، وأن يرتب ذلك من أول ركوبه النهر، وإن كان النهر على يساره فيعبر إلى أن يخليه على يمينه.
فإن كان النهر ممن يمنع العبر حمل البازي على يده اليمنى ليتمكن من رميه. وينبغي أن يكون فرسه فرساً عروفاً، وأن يكون لجامه بغير سلسلة ويغني عن السير ولا يزعق في وجه الصيد بحضور البازي، ولا يحمل البازي أبخر أصلاً، ويكون الحمال إذا حمله يقابله بالروائح الطيبة، ولا يطعمه اللحم البايت ولا لحم بقر ولا لحم جاموس ولا لحم جمل ولا لحم ماعز، ولا يداوم على إطعامه لحم الحمام ولا لحم الغنم، وإذا أطعمه أن يبل اللحم بالماء الفاتر ولحم العصافير الدويرية. وباقي العصافير رديئة أيضاً إلا لحم المطوق ولحم الغراب رديء، ولا بأس بلحم العقعق وأبو زريق.
وينبغي أن لا يقرب البازي إلى النار، وأن يشد في بيت أو في خركاة، ويفتح له بالنهار الضوء، ويسد عنه في الليل، لئلا يدخل إليه البرد وأن يشد على عارضة في البيت قريبة من الأرض مقدار ذراع بحيث أنه إذا وثب يصل إلى الأرض، وأن لا تكون الأرض التي تحته مرخمة ولا الحائط مبلطاً، بل يكون جميعه طيناً، وأن يفرش تحته في الشتاء التبن الذي ليس فيه غبار فإنه يدفئ ويطيب الروائح ويمنع الذرق أن يغير الموضع، وكلما دخل البازيار إليه، شال ما يراه من الذرق ويجدد له التبن، ويكون له عارضة في الشمس طولها نحو قامة، وهكذا مداراة الباشق سواء، غير أن الباشق لا يتحمل لحم الدجاج، وينبغي أو يوقى الباز من الغبار بين الخيل ومن الدخان، ومن دخول الكلاب والسنانير إليه.
[باب نعت البزاة وأجناسها وذكر ألوانها وبلادها]
اعلم أن البزاة سبعة أجناس، فمنها، الكرجية وهي الشهب وهي معدومة في غير بلاد الكرج كثيرة الأثمان، وهي أحسن البزاة وأشدها وأعظمها صورة، ولا يصل إليها إلا جلّة الناس من السلاطين والملوك ولا تقع في غير تلك البلاد إلا في النادر وهو عجيب. وهي أطول البزاة أعماراً، وإنها لا تحمل أنفسها من مشقة في الصيد إلا ما تطيق، وقد يقدم الأشهب منها، وهو أفخرها وأكثرها ثمناً.
ثم البزاة الرومية، وهي أكثر ما تكون حمراً لطيفة الأبدان، وهي قليلة البقاء لا يكاد الباز منها أن يسني، وهي قصيرة الأنفاس.
وأما الإفرنجية، فإنها رديئة الإجابة، وهي أيضاً لطاف صغار الرؤوس، ولها هيكل يستحسن، وهي ملاح الأبدان والريش.
وأما البزاة الدربندية والشرويني والأنجاري والجكوري وهي خير البزاة، فأما الدربندية فهي أندر البزاة وأحسنها كأن رؤوسها رؤوس الزمامج، طوال الأعناق، غائرات الأحداق كأن عيونها شعلتي نار.
نعته (الجيد) عريض الأرياش، عريض خطه الصدر، عريض القامة، متشرف الحاجبين، طويل المنسر، وسيع الكتفين كأن على ساقيه قشور كقشور التمساح، وسيع ما بين المنكبين، طويل العنق، رحب لصدر، واسع المنخرين، أصدف الكفين يخاف النار، ويخاف منه على الصغار، طويل المطار يصيد الكبار ويصيد الصغار والكبار خروجه كالنار، وأكثر ما يقع هذا الجنس في بلاد العجم مما يلي بلاد همذان إلى الموصل وإلى مراغة. ولا يعرف هذه البزاة إلا القليل من الناس. وأما الشرويني فإنه يشابه الدربندي في العمل والصيد إلا أنه أحسن لوناً منه، وأجمل صورة وريشاً. وهذه البزاة لا تأبى شيئاً من الطير وقد قيل فيها:
كأنّ فوق صدرها والهادي ... أثار مشي الذرّ في الرمادِ
وأكثر ما تقع هذه الأجناس في بلاد الجزيرة إلى خلاط وبلاد هكارى تصيدها الأكراد وتربيها، وتبقى عندهم كثيراً وتتغير ألوانها من الدخاخين.
[باب ذكر البواشق وإصلاحها ومداراتها]
عليك بالباشق يا سيدي ... فإنه إن مات أمر قريب
وهو إذا عاش بلا كلفة ... وفعله في الطير فعل عجيب
أحسنها الأبيض وهو الذي ... فعاله في القلب فعل الحبيب
فتارةً يولي إحسانه ... وتارةً يمرضُ حتى يجيب
فلا تكن تحزن من أجله ... فإن ذا فعل كفعل اللبيب
وكن كمن في الدهر يوماً له ... موافقاً فيه ويوماً مخيب