ويروى في الأخبار الصحاح أن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، اجتاز على بغداد وهي أجمة تأوي فيها السباع والوحوش، فوقف ينظر إليها، ثم قال: إيه يا زوراء كأني بك وأنت عالية القباب، سليطة القحاب، كثيرة الكلاب وكم له من كشف خار، وقتل منافق مارق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة.
وداد بن كسرى هو أول من صنع القفاز للباز، وأول من سنّ ركوب الرهاويل للصيد بالبازي.
وأول من أظهر الطبل للبازي، وأول من اختار الدستبان واخترعه، وأول من أدب البازي للإجابة، وأول من حمل البازي على الفرس ورفع قدره عن أن يحمل على يد رجل، ومدح باز:
أيا صاح بازيَّ بازيَّ إنّه ... من البؤس والفقر في الدهر جنّه
[باب ذكر أول من لعب بالشاهين]
قال القدماء: أول من لعب بالشاهين قسطنطين ملك عمورية، كان إذا ركب سارت الشواهين طائرةً على رأسه حتى ينزل، فاحتال عليها وأضراها.
وقيل: إن ملك يقال له الرديق ركب يوماً فثار بين يديه طائر من الأرض، فنزل عليه بعض شواهين، فأخذهم الملك، وأضرى منهم، وأمر بعد ذلك أن يحفظ ما يوجد من هذا الجنس فعرف بين الناس.
وأما تسميته بالشاهين فإنما سمي بذلك من أجل لزومه الدوران على رأس صاحبه أو على رأس الموكب.
وقيل إن بعض الحكماء سماه بذلك قايسه إلى الشاهين الذين يوزن به، قيس بالشاهين الذي يصاد به، وقيل إن أسماء جميع الطير سماها إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وقيل إن أول من لعب بالشاهين خاقان ملك الترك.
[باب ذكر أول من تصيد بالصقر]
قيل: إن أول من تصيد بالصقر الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة فإنه وقف يوماً يصطاد، وقد نصب للعصافير شبكة؛ فانقض شاهين على عصفور منها قد علق فأكله، والملك يعجب منه، فأتى به وقد أندق جناحه فرماه في كسر البيت فرآه بعد أيام وقد صح ولا يبرح ولا ينفر، وإذا رمي له طعماً يأكله، وإذا رأى لحماً نهض إليه حتى دعي فأجاب وأطعم على اليد. فأمر الملك باتخاذها والتصيد بها، فبينما هو يسير يوماً، وهو معه غذ انفتحت أرنب فطار الصقر إليها فأخذها، فطلب حينئذٍ الطير والأرنب. وأخذته العرب من بعده.
وقال القدماء: إن أول من تصيد به المنذر، فقيل له، وما الذي رأيت أيها الملك من هذا الطائر.
فقال: جميع ما ترون في هذه الأرض من ذوات المخلب عايلة على هذا الطائر، وذلك أنه كلما صاد شيئاً نزل إليه بعض هذه الطيور تركه ومضى إلى آخر يصيده، فإذا صاده نزل إليه آخر فسلمه إليه فكان ذلك دأبه يومه.
فقيل: فما الدليل على كرمه. فقال: الدليل عليه أنه يصيد ولا يأكل من الذي يصطاده، فإذا نزل عليه شيء من الطيور تركه ومضى، ولا يلتفت إلى ما ورائه، فإن المتأسف على الشيء الذاهب منه لا يزال يلتفت إليه، وهذا يدل على كرمه وشجاعته وسرعته في المطار.
قال: فبينما هو كذلك وقد صاد طريدة وقعد ليأكلها فجاء عقاب فأخذها منه والملك وأصحابه ينظرون. فقال الملك: دخل عليّ الضيمّ من أجل هذا الطائر.
قال: ثم طار وارتفع في السماء وعلا في الهواء إلى أن غيب نفسه ثم نزل على العقاب فضربه ضربةً واحدةً فقتله، وأخذ ما كان مع العقاب وأكله. والملك ينظر إليه.
فقال الملك: لله در هذا الطير ما أشجعه، لم يزل يتكلم إلى أن رأى الضيم، فأزاله بقدرته. ثم أمر أن يصاد له ذلك الطائر فنصبت له الأشراك وقبض وحمل إلى الملك وصاد به جميع الطير، وأول ما أضراه على الظبي وصاد به الأرنب.
باب في ذكر أول من لعب بالزمّج
يقال أول من لعب بهذا الفرس أخذوها من جنس البازي وهو كما زعموا وذلك أن بلادهم تحتمل أن يلعب فيها بسائر أجناس البزاة، وهم يذمون من لا يلعب بالزمج، ويقولون: ناقص اللعب.