قال محمد بن منكلي: ولا ينبغي المبالغة في الاشتغال بعلم المنطق إلا لرجل زاهد متورع، عالم بالشرائع، وأما من قرأ الشمسية أو غيرها أو رسالات في المنطق مثلاً ولم يكن قد أتقن الفقه والحديث وتزهد ثم قرأ أصول الدين وأصول الفقه وتدرب في العلوم الشرعية فإنه يسلم من آفات المنطق كتجهيل غيره، فإذا لم يكن كذلك فلا يعول على ما قرأه من علم المنطق.
ورأيت أكثرهم متكبرين معجبين، فلنعد إلى ما كنا فيه، وقد خرجنا عن المقصود.
وقد تقدم أن اللعب بالعقاب لا يصلح لكل أحد، والذي يصلح أن يلعب بها يكون عارفاً ذكياً، وهو أحسن الملعوب.
وقد تكره الملوك حمل العقاب على أيديهم إلا عند الحاجة للفرجة. وقد تجلب العقبان من المغرب، ومنها ما يوجد بالإسكندرية لكثرة الغزال في أرض تعرف بدير الزجاج وهو في مكان شرح قريب من البحر المالح يتوالد حوله الغزال وعنده الحباري والكروان والحبرج.
وأسماء العقبان في كل بلد غير اسمه في بلد آخر. وأهل العراق يسمون العقاب شيلمانياً، وفي بلاد الشام الشعيري وهو يشبه لون الشعير، والشليماني نسبة إلى حب يسمى بهذا الاسم، وهو يكون في الشعير، ويسمى في الشام الخافور وهذا العقاب من أحسن صورة في الطير، ويسمى أيضاً في بلاد الشط مما يلي جعبر والرها وحران وسروج إلى الموصل، الأبيض، وليس بأبيض لكن له صورة عجيبة وهو كبير في العقبان، يصيد معهم الغزال ولكن وحده فلا.
وهو أطير من كل عقاب وأخف وأحسن وألبق وأليق، ويسمى في بعض البلاد الفضي، وهو أحسن ما سمي به، ولونه أصفى من لون الكروان كثيراً.
وقيل أول من لعب بها أهل المغرب، وهم الروم، ذكر ذلك في الكتب القديمة، وقيل أن قيصر أهدى إلى كسرى أنوشروان عقاباً وكتب إليه أنها تعمل أكثر مما يعمل الصقر.
والعقاب أقل مونةً من سائر الضواري يأكل الكبد وغيرها. ويأكل لحم الكلب وغيره. ويبقى اليوم والخمسة لا يأكل ولا يخشى عليه وهذه عادته، وأكثر الخلق لا يرغب في العقاب إلا من أجل الغزال.
والعقاب الأسود ويسمى بالعراق الزنبوري، وهو وقح عظيم، غير أنه ألطف العقبان وجسده كله يشبه جسد الزرزور ما خلا ريش الجناحين، والطويل منه فلهذا سمي الزنبوري لأنه ينزل كالزنبور ولا يرجع، وأكثر ما يراد من هذا العقاب حسن لونه والفرجة عليه. وأنثى العقاب اللقوة، وفرخه الهيثم.
خواص العقاب: لسانه: من جفف لسانه وعلق عليه، ودخل على السلطان حاز مقبولاً عظيماً.
دمه: إذا طلي به ثدي امرأة قد انقطع لبنها عن ورم فيه نفعه، ويجفف دمه ويخلط مع إهليلج أصفر ويسخنا وتكتحل بها العين الوارمة، وأيضاً يطلى به العين الجربة من الخارج.
شحمه: يذاب بزيت وتدهن به المفاصل (ينفع لوجع) النقرس.
دماغه: يذاب بماء الفجل ويشربه من به ذات الجنب بماء حار.
مخه: يذاب بعسل ويصير على الجرح في الرأس يلحمه.
ريشه: إذا شد في عنق إنسان وسافر فإنه يقهر كل من يريد به سوءاً.
مخلبه: علقه عليك، فإن السباع والذئاب لا تقربك بإذن الله عز وجل.
عينه اليمنى: إذا علقت على صبي فإنه لا يبكي ولا يفزع.
عينه اليسرى: إذا علقت على من به حمى ربع أو مثلثة برئ منها.
دماغه أيضاً: إن سقي منه صبي قدر عدسه خرج شجاعاً.
ساقه: نافع للتعب تمسكه معك فلا تتعب.
جناحه: من دفنه في بيت قد دفن فيه سحراً أبطله.
مرارته: تحد البصر وتجلي الغشاوة، وتنفع من ابتداء نزول الماء في العين.
دخنة ريشه: تنفع من اختناق الأرحام.
زبله: يحلل الخنازير طلاءً عليها ويجلي الكلف والبثور اللينة بإذن الله تعالى.
[باب في كيفية الصيد بالبازي وأدب الحمال والفرس]
اعلم أن حمل البازي على اليد اليسرى على المعلوم من ذلك، ويكون الحمال إذا ركب يسلم البازي إلى غيره، ويركب لئلا يتخبط البازي على يده، فإن كان لا يثق بمن يسلمه إليه فيحطه من يده على الأرض، ويركب بعيداً عنه ثم يستوثبه على يده، فإن كان البازي زعر الأخلاق، حط في كفه جناحاً يشتغل به.
وينبغي للحمال أن يكون على يسار صاحبه، ولا يناوله البازي إلا وهو على يساره ولا يأخذ البازي منه إلا وهو على يمينه.