وإذا رأى الإنسان قصده، فإذا كان في الإنسان يقظة أخذ حذره منه، وقاتله إن كان معه سلاح، وهو يراوغ في قتاله كالمحتال أو لاعب الشطرنج يقصد من مقابلة وجهه، فإذا رآه قد اشتغل عنه بحفظها منه نهشه في غيرها، فاحذره ولا تتعرض له إلا إذا كنت قد مارست الأمر قبل ذلك، فإن نهشته والكفن. فإذا تقدمت إليه فلابد من لبس خفك في رجلك وهو كالمتآقف، فارم عليه بالضرب كالحمائلي، واخلف عليه المضارب، وأقدم عليه بمطرق طويل أو بسيف واستعن بالله في كل أمورك، وإياك والإعجاب بعلم أو عمل، فليس ذلك من أخلاق الرجال ذوي الهمم.
ومن أصنافها ما يسمى أصلة، وهو عظيم جداً، وله وجه كوجه الإنسان، ويقال أنه يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين فيقتل بالنظر، وقالوا بالمسامته.
قال محمد بن منكلي: ومن حنان نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن علمهم التعويذات لتكون حرزاً لهم حرزاً من المؤذيات، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق".
وذرا وبرأ وأمر صلى الله عليه وسلم في الصحيح، أن تستأذن حيات الدور بخلاف حيات البراري، فإن لم تروح وإلا قتلت، وجاء عنه وصح أنه قال: من نزل منزلاً ثم قال: بسم الله أعوذ بكلمات الله كلها ٤٩ أمن شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله، وقد جرب ذلك قديماً وحديثاً.
وحكي عن سلمان الفارسي، رضي الله عنه أنه كان ليلة ينظر إلى بنات نعش إلى النجم الأوسط من الثلاثة، فيها نجم لطيف ملاصق النجم الوسطاني تسميه العامة السّها ويسمى أصلم، فكان إذا نظر إليه قال: اللهم رب أصلم صل على محمد وعلى آل محمد، وسلمنا ثلاث مرات، فسئل عن ذلك، فقال من قال ذلك أمن في ليلته من العقرب.
[باب ذكر الطاووس وطباعه]
قال المؤلف: قصدت أن أذكر الطاووس وطباعه لئلا يقال لم لا أذكره لأنه من جنس الطير، ولعل ذلك أن يحاط بما يذكر علمه، فمن الطاووس ما هو أخضر وأرقط وأبيض ويوجد في كلها التخيل، ولا تعرف هذه الألوان إلا في بلاد الزابج، وما عداها، وهو في طباعه كالفرس في الدواب عزاً وحسناً، غير أن الناس يتطيرون به ويكرهونه كونه في دورهم.
وفي طبعه العفة وحب الزهو بنفسه ولا تبيض أنثاه حتى يأتي عليها من العمر ثلاث سنين والأنثى تبيض في السنة مرتين كل مرة اثنتي عشر بيضة وأقل وأكثر ولا تبيض متتابعة، ويسفد في أول الربيع ويلقي الريش في أول الخريف، وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت، وربما كسر البيض، ولهذه العلة يحضن بيضه تحت الدجاج، والدجاجة لا تقوى على أكثر من بيضتين منها، والفرخ الذي يخرج من تحت الدجاجة، قليل الحسن، ناقص الخلقة.
قال بعض الفضلاء: يغلب عبث الطاووس بأنثاه أوان حضنها غيرةً منه أن يخرج من البيضة ما يشبهه في حسن ريشه وبهاء خلقته.
قال أرسطو: إن الطاووس يعمر خمساً وعشرين سنة.
قال أبو الصلت بن عبد العزيز الأندلسي يصف الطاووس:
أبدى لنا الطاووس عن منظرٍ ... لم تر عيني مثله منظرا
في كل عضو ذهبٌ مفرغٌ ... في سندسٍ من ريشه أخضرا
[خواصه]
إذا رأى طعاماً فيه سم فرح ونفض جناحيه ورقص وبان السرور عليه، وإن طلي زبله على التآليل قلعتها.
وإن سقي المبطون من مرارته بالسكنجبين والماء الحار برئ بإذن الله تعالى.
[باب ذكر طير الليل]
أما الخفاش، فإنه يلد ما بين الثلاثة إلى السبعة، وكثير ما يسفد وهو طائر في الهواء، كما أن الظباء قد تتسافد في أهمى عدوها، وأسرع حضرها. ويقال أن له بين جناحية شيء مثل الكيس في ظهره يحمل فيه من الثمر شيئاً كثيراً وليس ٤٩ ب في الحيوان، يحمل ولده غيره والقرد والإنسان وفي طبعه أنه متى أصابه شجر الدلب خدر ولم يطر.
والكروان، من طير الليل، وفي طبعه الإدلاج والصياح بالأسحار والإشراف على مواضع العساكر ويوصف بالحمق، ومن حمقه يقال أنه إذا قيل له: أطرق كرا فيلتصق في الأرض حتى يرمى، وتقول العرب أطرق كراً، "إن النعام في القرى".
[خواصه]
لحم الكروان: إذا أكل زاد في الباه.
دماغه: يعجن بسمن بقري وعسل ثم يرفع في برينة ويؤخذ منه مقدار ملعقة عند النوم فيكثر الاتعاظ، وأما طير الليل فلعله يكثر في أرض دون أرض، هكذا ظهر في مخيلتي والله أعلم.