وذكر بعض الحكماء من العجم أن أحد الملوك كان يسمى بأردشير نظر يوماً إلى صورة البازي وإلى الزمج فأخذها بالشبه، وإنه ما شاركه في إصلاحها أحد، وكان يقول: هو الخفير النافع وأنها قليلة المؤنة، أي شيء أطعمتها أكلته، وعلى أي شيء أرسلتها صادت، وفيها منافع كثيرة، أنها تصيد جميع ما يصيده البازي، وإذا ألقيت في البرية تتصيد شيئاً من الطيور التي توحش قلوب الضواري مثل المحردة وغيرها، فإنها ترسل عليها فلا تخلي منها في تلك ٣٩ أالأرض شيئاً، وهي تصيد الكركي وطير الماء والحبرج والإوز والأرنب والثعلب، وكان أردشير يختارها كما يختار البازي، والزمج مثال الحرد اسم طير يقال له بالفارسية بوازدان.
[باب ذكر أول من لعب بالعقاب]
قيل: أول من تصيد بالعقاب من الملوك، ملوك الموصل وأصحابها، ومنهم بدأ لعب العقاب، وقد لعب به المعتضد وكان به مغرماً شديد الإرادة، وكان أيضاً يحب اللعب بالفهود، وكان يقتل الأسد بنفسه ولا يشركه فيه أحد، ولم ير مثل مذهبه في الصيد، وكان مشهوراً بالفهود والعقبان، وكان يقول هما سبعا الضواري، وكان يباشرهما بنفسه.
وقيل: أول من لعب بالعقاب رجل بالموصل، كان يصيد الغزال بالفخاخ في موضع يقال له: بلد الفرح وهو كثير الصيد، كثير الغزال. فاتفق أن الصياد وقع له عقاب فحمله إلى داره وخيطه، وإذا هو قد استغفل الصياد وأكل كلباً له كان يتصيد به، واتفق أيضاً أنه قتل ابنة الصياد، وكان سنها فيما يقال عشر سنين، وكان هذا العقاب قد ضري على الغزال، والعقاب كثير في بلاد الموصل وسنجار وحران.
[باب كيفية حمل ضواري الطير وأدبه]
قال أصحاب التجربة: إن يد الحامل تصلح وتفسد وهي في القياس كالميزان، ينبغي لحامل الباز أن يكون نظيف الثوب، طيب الروائح، طيب الخلاق، عارفاً في حمل البازي، وأن يكون يعتمد في حمله تسريح لحيته بالما ورد فإن البازي يحب الروائح العطرة، ولا يحمله أبخر، فإن البازي إذا حمله أبخر كسر شهوته، وإنه إذا حمله الأبخر يومين ثلاثة، فإنه يعرفه ويهرب منه وعلامته متى ما حمله الأبخر على يده، فإنه لا يزال البازي يميل برأسه عنه، ولا يزال خلقه متوحشاً أبداً، إذا وثب وثب هارباً، وذلك أنه إذا وثب صرصر، وصرصر بمعنى زق زق، ولا يقال في اللغة إلا صرصر، وعلامة البازي إذا كان حماله طيب الرائحة يكون أبداً البازي يلصق بنفسه إلى جانب الحمال، أعني البازيار، ويولع أبداً بمنسره في لحيته، وإذا دعاه البازيار أجابه قبل أن يدعيه ويقعد على يده أو على رأسه أو بين يديه أو على ظهره، فهذه العلامة في الباز كما ذكر وبالله التوفيق.
وقد يكون البازي سيئ الأخلاق من يد حامله عند سوء حمله، وذلك أن يده هي التي توحش أخلاقه وتوحش أيضاً أخلاق البازي سوء أخلاق الحمال وسوء أخلاق من تصيد به وأيضاً وداده الرمي على الصيد، وعند ذبح الطريدة في كفه إذا نازعه البازي الطريدة، وفيهم من ينازع في تناول القطعة اللحم أو الفخذ، فإنه يعسر في تركه الطريدة من كفه، وهذا كثير ما يوجد في اصفر العين، وأما غيره فلا يكون، هكذا قال المجربون.
فإذا نازع الباز البازيار ولم يطلع على يده قبض على كفيه وقلعه عن الطريدة، فإنه متى سلم من أن يفك إحدى كفيه لم يسلم من أن ينزع إحدى مخاليبه، فإن سلم من هذا ومن هذا لم يسلم من أن يخلع إحدى أوراكه، وإن سلم من جميع ما ذكر بردت شهوته عند الصيد. ويتولد ما يفعل به مرة بعد مرة النهيج الذي يلحقه ويظنه البازيار من المرض، لا ولكنه يولد المرض والنقص، ويرخي البازي ويعود ذلك عليه مرضاً حقاً.
وتعتبر ملاحة البازي وحسن ريشه من حسن السياسة وحسن الحمل.