للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧- إضاءة: ولما كان الأكثر وقوعا من أغراض الشعر مقاصدهم أشد كان من تلك الأغراض ما يكثر وقوعه وما يقل وما يتوسط. فأما ما كثر وقوعه فكالنسيب والمديح والرثاء وأما ما قل فكالمنافراًت ومشاجرات الأعداء ومفاخراتهم ومهاجاتهم، على أن بعضهم قد يكثر من هذا، وأما ما توسط فكالمعاتبات والاستعطافات والاستعذارات.

هـ- معلم دال على طرق العلم بما يجب اعتماده فيكل غرض من أغراض الشعر المتقدم تقسيمه إليه.

قد أشرنا إلى كيفية انقسام الشعر بحسب البساطة والتركيب، ولم يمكن استقصاء أنواع التركيب إذ لا جدوى لذلك. وإنما الواجب أن يعرف الإنسان طرق التركيب، وأن يعرف أمهات تلك الطرق، ويعرف جميع ما يجب في ذلك بالنظر إلى بساطته أو إلى تركيبه ولما هو متركب منه، فيجري كلا على ما يجب فيه ويعتبر فيهما يليق به.

إضاءة: فمما يجب تأصيله في هذا المعلم إعطاء قانون فيما يحسن وما يقبح من الجمع بين كل غرضين متضادين من هذه الأغراض. ويقبح من ذلك أن يكون الغرضان المتضادان كالحمد والذم أو الإبكاء والإطراب قد جمع بين أحدهما والآخر من جهة واحدة ونيطا بمحل واحد وكان ظاهرهما وباطنهما متساويين فيا لتناقض، مثل أن يحمد الإنسان شيئا ويذمه من جهة واحدة ويكون ظاهر الكلام يعطي الحمد والذم معا، وكذلك باطنه.

٢- تنوير: وأما ما يسوغ ويحسن في كثير من المواضع فإن يكون المقصدان عير منصرفين إلى محل واحد أو غير منبعثين من محل واحد.

٣- إضاءة: وأما ما يحسن من ذلك ويعد بديعا فان يكون أحد المتضادين يقصد به في الباطن غير ما يقصد به فيا لظاهر، فيكون في الحقيقة موافقا لمضاده فيما يدل عليه على جهة من المجاز والتأويل، وذلك نحو قول النابغة: (الطويل -ق- المتدارك)

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

فجمع بين الحمد وما يوهم أنه ذم، وهو فيا لحقيقة مدح.

ونقيضه قول ابن الرومي: (الخفيف-ق- المترادف)

خير ما فيهم، ولا خير فيهم ... أنهم غير آثمي المغتاب

فجمع بين الذم وما أوهم قبل استيفاء العبارة بصفته أنه حمد وهو في الحقيقة من أكبر الذم.

٤- تنوير: وأنا أشير إلى بعض ما يجب اعتماده في ما يكثر استعماله من أغراض الشعر وتتعاوره القرائح من فنون الطرق الشعرية البسيطة والمركبة، وأذكر في غرض غرض من ذلك طرفا يستدل به على ما سواه.

فمن ذلك طريقة المدح، ويجب فيها السمو بكل طبقة من الممدوحين إلى ما يجب لها من الأوصاف، وإعطاء كل حقه من ذلك؛ ويجب أن يتوسط في مقادير الأمداح التي لا يحتاج فيها إلى إطالة في وصف فتح وما يجري مجرى ذلك مما قد تحتمل الإطالة فيه، فإن الإطالة مدعاة إلى السآمة والضجر، وخصوصا إذا كان الممدوح من غلبة نعيم الدنيا عليه بحيث يقل احتماله لذلك ويتأذى به؛ ويجب ألا يمدح رجل إلا بالأوصاف التي تليق به؛ ويجب أن تكون ألفاظ المديح ومعانيه جزلة مذهوبا بها مذهب الفخامة في المواضع التي يصلح بها ذلك، وأن يكون نظمه متينا، وأن تكون فيه مع ذلك عذوبة.

٥- إضاءة: وأما النسيب فيحتاج أن يكون مستعذب الألفاظ حسن السبك حلو المعاني لطيف المنازع سهلا غير متوعر، وينبغي أن يكون مقدار التغزل قبل المدح قصدا لا قصيرا مخلا ولا طويلا مملا.

٦- تنوير: وأما الرثاء فيجب أن يكون شاجي الأقاويل مبكي المعاني مثيرا للتباريح، وأن يكون بألفاظ مألوفة سهلة في وزن متناسب ملذوذ، وان يستفتح فيه بالدلالة على المقصد ولا يصدر بنسيب لأنه مناقض لغرض الرثاء، وإن كان هذا قد وقع للقدماء نحو قصيدة دريد يرثي أخاه التي أولها: (الطويل -ق- المتدارك)

أرث جديد الوصل من أم معبد

وقصيدة النابغة يرثي بعض آل جفنة: (الطويل -ق- المتدارك)

دعاك الهوى واستجهلتك المنازل

وقصيدة عدي بن زيد يرثي ولده علقمة: (السريع -ق- المترادف)

أعرف أمس من لميس طلل

٧- إضاءة: فأما لفخر فجار مجرى المديح ولا يكاد يكون بينهما فرق إلا أن الافتخار مدح يعيده المتكلم على نفسه أو قبيله، وأن المادح يجوز له أن يصف ممدوحه بالحسن والجمال ولا يسوغ للمفتخر أن يصف نفسه بذلك.

<<  <   >  >>