للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقافية هي ما بين أقرب متحرك يليه ساكن إلى منقطع القافية وبين منتهى مسموعات البيت المقفى.

فهذه إشارة إلى بعض أحكام القوافي وما يجب في مقاطع الأبيات من جهة كونها قوافي.

١٠- تنوير: فأما ما يجب في القافية من جهة عناية النفس بما يقع فيها واشتهار ما تتضمنه مما يحسن أو يقبح فإنه يجب ألا يوقع فيها إلا ما يكون له موقع من النفس بحسب الغرض، وأن يتباعد بها عن المعاني المشنوءة والألفاظ الكريهة ولاسيما ما يقبح من جهة ما يتفاءل به. فإن ما يكره من ذلك إذا وقع في أثناء البيت جاء بعده ما يغطي عليه ويشغل النفس عن الالتفات إليه؛ وإذا جاء ذلك في القافية جاء في أشهر موضع وأشده تلبسا بعناية النفس وبقيت النفس متفرغة لملاحظته والاشتغال به ولم يعقها عنه شاغل، ومثل هذا قول الصاحب في عضد الدولة: (الطويل -ق- المتدارك)

ضممت على أبناء تغلب تاءها ... فتغلب ما كر الجديدان تغلب

فقال له عضد الدولة: (يقي الله) .

١١- إضاءة: فأما ما يجب فيه من جهة كونها مستقلة منفصلة عما بعدها أو متصلة به فلا يخلو الأمر في هذا من أن تكون الكلمة الواقعة في القافية غير مفتقرة إلى ما بعدها ولا مفتقر ما بعدها إليها، أو يكون كلاهما مفتقرا إلى الآخر، أو تكون هي مفتقرة إلى ما بعدها ولا يكون ما بعدها مفتقرا إليها، أو يكون ما بعدها مفتقرا إليها ولا تكون هي مفتقرة إليه.

فالقسم الأول هو المستحسن على الإطلاق. والأقسام الثلاثة أشدها قبحا مناقض القسم المستحسن. ويسمى افتقار أول البيتين إلى الآخر تضمينا لأن تتمة معناه في ضمن الآخر.

١٢- تنوير: والتضمين يكثر فيه القبح أو يقل بحسب شدة الافتقار أو ضعفه. وأشد الافتقار افتقار بعض أجزاء الكلمة إلى بعض. وربما صنع شعر قوافيه على هذا الوضع ليعمى موضع القافية وهو قبيح جدا. ويتلوه في شدة الافتقار افتقار أحد جزئي الكلام المركب المفيد إلى الآخر. وأما افتقار العمدة إلى تتمة الفضلة والفضلة إلى الاستناد إلى العمدة فأقل قبحا من ذلك، وإنما يكون هذا حيث تقوم الدلالة على المراد بالإضمار. وافتقار العطوف إلى ما يعطف عليه إذا كان المعطوف كلاما تاما أخف من ذلك وأقل قبحا، فإن كان المعطوف ناقصا كان أمر الإضمار أسهل.

١٣- إضاءة: وإذا اجتمع الإضمار والعطف وكان المعطوف تاما سهل الأمر فيه من جهة العطف وصعب أمر الإضمار. فإن أظهر المضمر لم يعد ذلك تضمينا ولا افتقار وإن كان الكلام عطفا لأن الكلام يستقل بتقدير حذف الحرف العاطف، وأيضا فقد يعطف على المقدر فيقع الحرف العاطف صدرا.

١٤- تنوير: ولكون إظهار المضمر يصير الكلام مستقلا غير مفتقر إلى ما قبله قد يحتملون ما في التكرار من ثقل، وذلك مثل قول الخنساء: (البسيط -ق- المترادف)

وإن صخرا لوالينا وسيدنا ... وإن صخرا إذا نشتو لنحار

وإن صخر لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار

ولو قالت وإنه لتأتم الهداة به فأضمرت لكان البيت ناقصا مفتقرا. فإنما أظهرت لفظ صخر ثانيا وثالثا تباعدا بالكلام عن الافتقار، وقصدا لتعديل أقطاره وحسن تفصيله وتقديره. وهذا يعرف مما تقدم. وربما بسط عذر الشاعر في مثل هذا أيضاً كونه يستعذب اسم محبوبه ويريد الإشادة باسم ممدوحه فلا يستثقل ذلك. وهذان أمران لا يحسنان التكرار وإنما يبسطان العذر فيه فقط.

معرف دال على طرق المعرفة بتأصيل القوافي وبناء ما قبلها عليها وبنائها على ما قبلها.

لا يخلو الشاعر من أن يكون يبني أول البيت على القافية أو القافية على أو البيت. وكلا صاحبي هذين المذهبين لا يخلو أن يكون ممن يعتمد أن يقابل بين المعاني ويناظر بينها أو ممن لا يقابل بين شيء منها اعتمادا.

<<  <   >  >>