للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٤- تنوير: فأما كيفيات مناقل الفكر في التخييلات التي يرام بها إيقاع التحسينات والتقبيحات, وفي التخيلات التي يقصد بها أن تكون أعوانا على إيقاع ذلك فيحصل باقتفاء الخواطر مناقلها في جميع ذلك, بوضع ما يجب في حيز حيز من تلك المناقل على ما يجب من الأجزاء التي منها التئام هذه الصناعة لفظا ومعنى كمال هذه الصناعة على الوجه الذي تكون به مهيأة لحصول الغاية المقصودة بها فهي أن للمخيلين في التخييلات التي يحتاجون غليها في صناعتهم أحوالا ثمانية. لكل واحدة منها في زمان مزاولة النظم مرتبة لا تتعداها.

الحالة الأولى: يتخيل فيها الشاعر مقاصد غرضه الكلية التي يريد إيرادها في نظمه أو إيراد أكثرها على ما أبينه في القسم الثالث إن شاء الله.

الحال الثانية: أن يتخيل لتلك المقاصد طريقة وأسلوبا أو أساليب متجانسة أو متخالفة ينحو بالمعاني نحوها ويستمر بها على مهايعها. وسيأتي الكلام في الأساليب في القسم الرابع أن شاء الله.

الحال الثالثة: أن يتخيل ترتيب المعاني في تلك الأساليب. ومن أهم هذه التخيلات موضع التخلص والاستطراد.

الحال الرابعة: أن يتخيل تشكل تلك المعاني وقيامها في الخاطر في عبارات تليق بها ليعلم ما يوجد في تلك العبارات من الكلم التي تتوازن وتتماثل مقاطعها ما يصلح أن يبني الروي عليه. وفي هذه الحال أيضاً يجب أن يلاحظ ما يحق ما يحق أن يجعل مبدأ ومفتتحا للكلام, وربما لحظ في هذه الحال موضع التخلص والاستطراد.

١٥- إضاءة: فهذه أربع أحوال في التخاييل الكلية.

والحال الخامسة, وهي أول حال من التخاييل الجزئية: أن يشرع الشاعر في تخيل المعاني معنى معنى بحسب غرض الشعر.

الحال السادسة: أن يتخيل ما يكون زينة للمعنى وتكميلا له. وذلك يكون بتخيل أمور ترجع إلى المعنى من جهة حسن الوضع والاقترانات والنسب الواقعة بين بعض أجزاء المعنى وبعض, وبأشياء خارجة عنه مما يقترن به ويكون عونا له على تحصيل المعنى المقصود به.

والحال السابعة: أن يتخيل, لما يريد أن يضمنه في كل مقدار من الوزن الذي قصد, عبارة توافق نقل الحركات والسكنات فيها ما يجب في ذلك الوزن في العدد والترتيب بعد أن يخيل في تلك العبارات ما يكون محسنا لموقعها من النفوس.

الحال الثامنة: أن يتخيل, في الموضع الذي تقصر فيه عبارة المعنى عن الاستيلاء على جملة المقدار المقفى, معنى يليق أن يكون ملحقا بذلك المعنى, وتكون عبارة المعنى الملحق طبقا لسد الثلمة التي لم يكن لعبارة الملحق به وفاء بها. ومن هذا قول المتنبي: (الطويل -ق- المتدارك)

نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد

ولا يتفق هذا إلا في بعض المواضع. وهذه الأحوال كلها قد ألمعت في هذا الكتاب بما يجب في كل واحدة منها بحسب ما توسع له هذا الموضوع, إذ لتفصيل القول في جميع ذلك طول كثير, وفي ما ذكرته وأذكره من ذلك إن شاء الله مقنع.

١٦- تنوير: فعلى هذا النحو من الانتقال أصل منشأ الشعر. وقد يحصل للشاعر بالطبع البارع وكثرة المزاولة ملكة يكون بها انتقال خاطره في هذه الخيالات أسرع شيء حتى يحسب من سرعة الخاطر أنه لم يشغل فكره بملاحظة هذه الخيالات وإن كانت لا تتحصل له إلا بملاحظتها ولو مخالسة. وكانت هذه الملكة نحوا من ملكة الخاطر, فإنه وإن كان أصل تعلمه القراءة تتبع الحروف وحركاتها وسكناتها مقطعة, فإنه تحصل له ملكة لا يحتاج معها إلى ذلك التتبع. بل يعلم عندها يقع بصره على مجموع الحروف المختطة أي لفظ يدل عيه ذلك المجموع. هذا على أن صناعة مؤلف الكلام كصناعة الناسج تارة ينسج بردا من يومه وتارة حلة من عامه, ولكل قيمته. وإنما يظن أن ليس بين أنماط الكلام هذا التفاوت من جهل لطائف الكلام وخفيت عليه أسرار النظم.

[ز- معلم دال على طرق العلم بما يخص المحاكاة التشبيهية من الأحكام.]

وينبغي أن ينظر في المحاكاة التشبيهية من جهات. فمن ذلك جهة الوجود والفرض. وينبغي أن تكون المحاكاة على الوجه المختار بأمر موجود لا مفروض.

<<  <   >  >>