للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العم أن الأبيات بالنسبة إلى الشعر المنظم نظائر الحروف المقطعة من الكلام المؤلف، والفصول المؤلفة من الأبيات نظائر الكلم المؤلفة من الحروف، والقصائد المؤتلفة من الفصول نظائر العبارات المؤلفة من الألفاظ. فكما أن الحروف إذا حسنت حسنت الفصول المؤلفة منها إذا رتبت على ما يجب ووضع بعضها من بعض على ما ينبغي كما أن ذلك في الكلم المفردة كذلك. وكذلك يحسن نظم القصيدة من الفصول الحسان كما يحسن ائتلاف الكلام من الألفاظ الحسان إذا كان تأليفها منها على ما يجب. وكما أن الكلم لها اعتباران: اعتبار راجع إلى مادتها وذاتها، واعتبار بالنسبة إلى المعنى الذي تدل عليه، كذلك الفصول تعتبر في أنفسها وما يتعلق بهيآتها ووضعها، وتعتبر بحسب الجهات التي تضمنت الفصول الأوصاف المتعلقة بها.

وقد تقدم التعريف بالجهات وأنحائها. وأنا أخض هذا المعلم بالقول فيما يجب اعتماده في الفصول من جهة ما يرجع إلى موادها، وإلى هيآتها في أنفسها وما يجب في وضعها وترتيب بعضها من بعض. وأفرد للكلام في ما يتعلق بذلك من جهة اشتمالها على أوصاف الجهات وعلى الأقاويل المخيلة والمقنعة معرفا أقفو به هذا المعلم.

١- إضاءة: والكلام في ما يرجع إلى ذوات الفصول وإلى ما يجب في وضعها وترتيب بعضه من بعض يشتمل على أربعة قوانين: القانون الأول: في استجادة مواد الفصول وانتقاء جوهرها.

القانون الثاني: في ترتيب الفصول والمولاة بين بعضها وبعض.

القانون الثالث: في ترتيب ما يقع في الفصول.

القانون الرابع: في ما يجب أن يقدم في الفصول وما يجب أن يؤخر فيها وتختتم به.

٢- تنوير: فأما القانون الأول في استجادة مواد الفصول وانتقاء جوهرها، فيجب أن تكون متناسبة المسموعات والمفهومات حسنة الاطراد غير متخاذلة النسج غير متميز بعضها عن بعض التمييز الذي يجعل كل بيت كأنه منحاز بنفسه لا يشمله وغيره من الأبيات بنية لفظية أو معنوية يتنزل بها منه منزلة الصدر من العجز أو العجز من الصدر. والقصائد التي نسجها على هذا مما تستطاب. وينبغي أن يون نمط نظم الفصل مناسبا للغرض. فتعتمد فيه الجزالة في الفخر مثلا والعذوبة في النسيب، وأن تكون الفصول معتدلة المقادير بين الطول والقصر. وتقصير الفصول سائغ في المقطعات والمقاصد التي يذهب بها مذهب الرشاقة، وتطويلها مستثقل في ذلك. فأما تطويل الفصول سائغ فيها ومحتمل لموافقته مقصد الكلام وكون القصيدة فيها رحب لذلك وسعة.

٣- إضاءة: فأما القانون الثاني وهو ترتيب بعض الفصول إلى بعض، فيجب أن يقدم من الفصول ما يكون للنفس به عناية بحسب الغرض المقصود بالكلام. ويكون مع ذلل متأتيا فيه حسن العبارة اللائقة بالمبدأ. ويتلوه الأهم فالأهم إلى أن تتصور التقانة ونسبة بين فصلين تدعو إلى تقديم غير الأهم على الأهم. فهناك يترك القانون الأصلي في الترتيب.

٤- تنوير: وتقديم الفصول القصار على الطوال أحسن من أن يكون الأمر بالعكس.

٥- إضاءة: فأما القانون الثالث في تأليف بعض بيوت الفصل إلى بعض فيجب أن يبدأ منها بالمعنى المناسب لما قبله، وإن تأتي مع هذا أن يكون ذلك المعنى هو عمدة معاني الفصل والذي له نصاب الشرف كان أبهى لورود الفصل على النفس، على أن كثيرا من الشعراء يؤخرون المعنى الأشرف ليكون خاتمة الفصل. فأما من يردف المحاكاة ويختمه بأشرف معاني الإقناع. وإلى هذا كان يذهب أبو الطيب المتنبي - رحمه الله - في كثير من كلامه.

٦- تنوير: ويحسن أن يصاغ رأي الفصل صيغة تدل على أنه مبدأ فصل، وإن تمكن مع هذا أن يناط به معنى يحسن موقعه من النفوس بالنسبة إلى الغرض كالتعجب والتمني والدعاء وتعديد العهود السوالف وما أشبه ذلك فهو أحسن.

٧- إضاءة: ويشترط في المذهب المختار أن يكون لمعنى البيت مع كون أوله مبدأ كلام ومصدرا بكلمة لها معنى ابتدائي أن يكون لمعنى البيت علقة بما قبله ونسبة إليه.

<<  <   >  >>