للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- إضاءة: فأما المديح المتخلص إليه من نسيب فالوجه أن يصدر بتعديد فضائل الممدوح، وأن يتلى ذلك بتعديد مواطن باسه وكرمه وذكر أيامه في أعدائهم. وإذا للممدوح سلف حسن تشفيع ذكر مآثره، بذكر مآثرهم ثم يختتم بالتيمن للممدوح والدعاء هل بالسعادة ودوام النعمة والظهور على الأعداء وما ناسب ذلك.

والمحدثون أثر اعتمادا لهذا في مقاطع القصائد من القدماء، وإن كان ذلك أيضاً موجودا في أشعارهم.

٦- تنوير: فأما القصائد البسيطة فأحسن ما تبدأ به وصف ما يكون في الحال مما له إلى غرض القول انتساب شديد كافتتاح مدح القادم من سفر بتهنئته بالقدوم والتيمن له بذلك، وكافتتاح مدح من ظفر بأعدائه بوصف ذلك وتهنئته به، ثم يتبع ذلك بذكر فضائل الممدوح ونشر محامده، ويستمر في الأغراض التي تغن على الأنحاء التي لا يوجد للكلام معها اضطراب ولا تنافر.

٧- إضاءة: ويجب أن تكون المبادئ جزلة، حسنة المسموع والمفهوم، دالة على غرض الكلام، وجيزة، تامة. وكثيرا ما يستعملون فيها النداء والمخاطبة والاستفهام ويذهبون بها مذاهب من تعجيب أو تهويل أو تقرير أو تشكيك أو غير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه فيما سلف.

٨- تنوير: ويجب أن تكون الصدور متناسبة النسج، حسنة الالتفاتات، لطيفة التدرج، مشعشعة الأوصاف بالتشبيهات. ويجب أن يكون التخلص لطيفا، والخروج إلى المدح بديعا.

٩- إضاءة: ويجب أن يكون صدر المديح حسن السبك، عذب العبارات مستطاب المعاني، ليناسب ما اتصل به من النسيب. ويجب أن تعتمد فيه مع ذلك الجزالة والمبالغة في الأوصاف.

١٠- تنوير: ومما يجب اعتماده حيث يقع وصف الحرب أن تفخم العبارات وتهول الأوصاف ويحسن الاطراد في اقتصاص ما وقع من ذلك، وأن تراح النفوس حيث يقع التمادي في ذلك بإيراد معاني تستطيبها وتبسط ما قبض منها تهويل وصف الحرب. وتحسن الإحالة على التواريخ في هذا الموضع.

١١- إضاءة: فأما الاختتام فينبغي أن يكون بمعان سارة فيما قصد به التهاني والمديح، وبمعان مؤسية فيما قصد به التعازي والرثاء. وكذلك يكون الاختتام في كل غرض بما يناسبه. وينبغي أن يكون اللفظ فيه مستعذبا والتأليف جزلا متناسبا، فإن النفس عند منقطع الكلام تكون متفرغة لتفقد ما وقع فيه غير مشتغلة باستئناف شيء آخر.

١٢- تنوير: فأما ما تجب العناية بالتأنق فيه على الوجه المختار فتحسين المبدأ والتخلص. وأما ما تتأكد به العناية ولاسيما عند من أخذ بمذهب أيمة المحدثين فتحسين البيت التالي للبيت الأول من القصيدة ليتناصر بذلك حسن المبدأ ومثل هذا قول أبي تمام: (الطويل -ق- المترادف)

شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحت كما محت وشائع من برد

وأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد

ومن ذلك قول أبي الطيب المتنبي: (البسيط -ق- المترادف)

من الجآذر في زي الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب

إن كنت تسأل مثلا في معارفها ... فمن بلاك بتسهيد وتعذيب

وقوله: (الطويل -ق- المتدارك)

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقي

وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ... ولكن من يبصر جفونك يعشق

وقوله: (الطويل -ق- المتدارك)

فراق ومن فارقت غير مذمم ... وأم ومن يممت غير ميمم

وما منزل اللذات عند بمنزل ... إذا لم أبجل عنده وأكرم

وأكثر ما يتوخون هذا إذا كان البيت الثاني تتمة الفصل الأول. فأما إذا كان الفصل الأول أكثر من بيتين فإنهم يوجهون العناية إلى تحسين نهاية الفصل. وكلما قرب ذلك إلى المبدأ فكان ثانيا أو ثالثا كان أحسن مثل قول أبي تمام - رحمه الله -: (الخفيف -ق- المترادف)

أيها البرق بت بأعلى البراق ... واغد فيها بوابل غيداق

وتعلم بأنه ما لأنوا ... ئك إن لم تروها من خلاق

دمن طالما التقت أدمع المز ... ن عليها وادمع العشاق

وإذا لم يكن البيت الثاني مناسبا للأول في حسنه غض ذلك من بهاء المبدأ وحسن الطليعة، وخصوصا إذا كان فيه قبح من جهة لفظ أو معنى أو نظم أو أسلوب، وذلك نحو قول أبي الطيب المتنبي: (الخفيف -ق- المترادف)

أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقة في المآقي

<<  <   >  >>