للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (٩)} [الحجرات].وتتأوَّل الأحاديث على غير ذلك، فقد اختلف العلماء في قتال الفتنة، فالمسألة لا تخلو من خلاف وتفصيل وتأصيل.

واعلم أنَّ الإصلاح بين الطّائفتين المؤمنتين مقدَّم على قتال الباغي منهما، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} [الحجرات].

ومَنْ نَظَرَ نَظَرَ مُحْكَم العقل الحَصِيْف إلى الآيتين، عَرَفَ مِنَ الحقائق والدَّقائق ما يشوق ويزهو على الجمان ويفوق، فقد بيَّن الله تعالى في الآيتين عظيم شأن الإصلاح بين الطَّائفتين المؤمنتين، فأمر به ثلاث مرَّات مبالغة في التَّأكيد عليه، وسمّى الطّائفتين مؤمنين مع الاقتتال، ولم يَنْفِ عنهما صِفَةَ الإيمان.

الدعاة إلى الفتن هم الدّعاة إلى النّار

حذّر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من فِتْنَة عَمْيَاء صَمَّاء كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يعمى فيها الإنسان عن رؤية الحقّ، ويصمّ عن سماعه، وفيها مِنَ الظلمات مَا يُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وعلى تِلْكَ الْفِتْنَةِ جَمَاعَةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِهَا يدعون النَّاس إلى الهلكة.

فمن حديث حذيفة - رضي الله عنه - " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: يَا حُذَيْفَةَ، تَعَلَّمْ كِتَابَ الله وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَنْ

<<  <   >  >>