المراد بعدالة الصَّحابة أنَّهم لا يتعمَّدون الكَذِبَ على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لما شَهِدَ اللهُ لهم به مِنْ سَلامَة قلوبهم، وصدقِ إيمانهم، وحسن تَقْواهم، ولما مدحهم - عز وجل - به في آيات يَكْثُرُ إيرادُها، ولما ثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من عظيم مناقبهم، وعلوِّ مراتبهم، وفضل سوابقهم في أحاديث يطول تعدادها.
فهم عدول بتعديل الله تعالى لهم ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلُّهم عدول مَنْ سَبَقَ إسلامُه منهم وَمَنْ تأخَّر، ومَنْ هاجر ومَنْ ناصر، ومن قاتل معه - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ لم يُقَاتل، ومَنْ لازمه - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ لم يلازمه، ومَنْ مَاتَ في حياته - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ مات بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، ومَنْ لابس الفتن منهم ومَنْ اعتزلها؛ لأنَّه لا يجوز أن يمدحهم الله تعالى ويثني عليهم الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - وهم على غير ذلك، والقدح في عدالة أحدهم ذريعة لردِّ كلام الله تعالى، وكلام الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولا نغلو فيهم، فليس المراد بعدالتهم أنَّهم معصومون عن الخطأ، فالصَّحابة غير معصومين عن الخطأ في آحادهم، لكنَّ الله تعالى أجارهم عن الخطأ في إجماعهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ قد أَجَارَ أُمَّتي مِن أنْ تَجْتَمِعَ على ضَلالة "(١).
قلت: ولذلك لمَّا ثارت الفِتَنُ بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه - لم يكن هناك إجماع من الصَّحابة لا إله إلا الله على ملابستها أو اعتزالها، لكنَّ كلمتهم اجتمعت على معاوية - رضي الله عنه -