[أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يعفو عن مسطح - رضي الله عنه - ويصفح]
كان أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - وقَّافاً عند كتاب الله تعالى، يعمل به ولا يتجاوزه اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أنزل الله تعالى براءة عائشة - رضي الله عنها -، أقسم أبو بكرٍ - رضي الله عنه - أن لا ينفقَ على مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ - رضي الله عنه - بعد أن قال الَّذي قال في عائشة - رضي الله عنها -، فأنزل الله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (٢٢)} [النُّور].
فقَالَ أَبُو بَكْرٍ:" بَلَى والله إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لِي" وعَادَ له - رضي الله عنه - بما كان يصنعُ، ففي آخر حديث عروة عن عائشة، قالت:" فَلَمَّا أَنْزَلَ الله هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - (وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ): والله
لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ ما قال، فَأَنْزَلَ الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)} [النُّور] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى والله إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: والله لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا" (١). فثبت بذلك وقوع المغفرة لمن غَفَرَ إلى مَنْ أساءَ إليه وصفح عنه.
الحُكم فيمن قذف طيّبة طابة - رضي الله عنها - بعد أن أنزل الله تعالى براءتها
لا يمكن لأحدٍ مِن النَّاس ـ وضيعاً كان أو رفيعاً ـ أن يَنْأَى بنفسه عن أذى
النَّاس وشرورهم مهما تخلَّق بأخلاق الكِرام؛ فمن العوام كالأنعام، ومِن الرَّعَاع
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٩) كتاب التَّفسير.