للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- رضي الله عنهما - حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَهْلَكَ (١) وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا" (٢).

موقف عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -

وأمَّا عليّ - رضي الله عنه - فأشار على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل الجارية بَرِيرَةَ تصدقه، وقد كان متيقِّناً أنَّ بَرِيرَةَ متحقِّقة من براءَتها، ولذلك أحاله عليها، تقول عائشة: " وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، لَمْ يُضَيِّقْ الله عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَل الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ" (٣).

أمَّا من ذهب إلى أنَّ عليّاً - رضي الله عنه - قد أشار عليه ابتداءً بفراقها، بدليل قوله: "وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ" ففيه بعد؛ لأنَّ الكلام يفهم من سباقه ولحاقه، فلم يجزم عليّ - رضي الله عنه - بفراقها؛ ذلك أنَّه عقَّب كلامه بقوله: "وَإِنْ تَسْأَل الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ" فيكون فوَّض الأمر إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وحمله على النَّظر في كلام الجارية بَرِيرَة ليسْكُنَ خاطِرُه.

وعلي - رضي الله عنه - أتقى لله تعالى مِنْ أنْ يَعْرِض لأمِّ المؤمنين بأيّ سوء.


(١) أهلَكَ: بالنَّصب على الإغراء أي الزم أهلك، وهذا يذكِّر بقول الله تعالى حكاية عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حين قال لزيد - رضي الله عنه -: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ (٣٧)} [الأحزاب]. ولبعضهم بالرَّفع (أهلُك) أي هُم أهلك.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٧) كتاب التَّفسير.
(٣) المرجع السَّابق.

<<  <   >  >>