للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجُمانِ مِنْ الْعَرَقِ (١) وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ.

قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: يَا عَائِشَةُ، أَمَّا الله - عز وجل - فَقَدْ بَرَّأَكِ.

فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا والله لَا أَقُومُ إِلَيْهِ (٢) وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا الله - عز وجل -، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ (١١)} [النُّور] الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا " (٣).

عائشة - رضي الله عنها - تضيف معرفة النّعمة بكلّيتها إلى الخالق دون الخلق

ويلاحظ في قول عائشة - رضي الله عنها -: "وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا الله - عز وجل - " نَفْي معرفة النِّعمة عن

أحد من الخلق، وإضافتها بكلِّيتها إلى الخالق وحده، وهذا من كمال التَّوحيد؛ فإفراد الله تعالى بالحمد في هذا المقام فيه تجريد التّوحيد، فالله تعالى وحده الَّذي أنعم بإنزال براءة ساحتها.

وفيه تجريد المتابعة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتمسَّك بقوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو الَّذي أمرها أن تفرد الله تعالى بالحمد؛ ففي رواية: "فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ، احْمَدِي الله، فَقَدْ بَرَّأَكِ الله" (٤). وقولها يدلّ على حسن سمعها، ووفور عقلها، وعقول كلّ قوم على قدْر زمانهم!


(١) شبَّهت قطرات عرقه - صلى الله عليه وسلم - بحبَّات اللؤلؤ، لوجه الشَّبه الجامع بينهما، وهو الصَّفاء والحسن.
(٢) من باب الإدلال عليه - صلى الله عليه وسلم -، معرفة منها بمحبَّته لها ورضاه عنها.
(٣) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٨) كتاب التَّفسير.
(٤) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٣/ص ١٥٧) كتاب الشّهادات.

<<  <   >  >>