فهذا يجزئ في حقِّ من سَبَقَتْ عَدَالتُهُ، والصَّحابة كلّهم عدول لا يحتاج أحدهم بعد تعديل الله لهم المطَّلع على بواطنهم وسرائرهم إلى تعديل أحد من الخلق له.
قالت عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: "وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْراً، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا؛ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ"(١).
ويفهم مِن الرِّواية أنَّ الورع منع زينب - رضي الله عنها - من الوقوع في عائشة - رضي الله عنها - كما منع بقيَّة أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ، وإنَّما اختصَّت زينب - رضي الله عنها - بالذِّكر لأنَّها كانت تضاهي وتعادل عائشة - رضي الله عنها - بالحظوة وعلوِّ المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[موقف أسامة بن زيد - رضي الله عنه -]
ولمَّا طَالَ مكْثُ نزول الوحي، دعا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليّاً وأسامة - رضي الله عنهما - يستشيرهما في فِرَاقِ عائشة - رضي الله عنها -، وخصَّهما بالمشورة ـ فيما يتعلَّق بأهله ـ لمزيد اطِّلاعهما على أحواله، وعظيم محبَّته - صلى الله عليه وسلم - لهما وقربهما منه، فإنَّ عليّاً تربَّى في كَنَفِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأسامة بن زيد بن الحارثة، هو الحِبُّ ابن الحِبِّ، مولى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، أمُّه أمُّ أيمن حاضنة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -.
فأمَّا أسامة - رضي الله عنه - فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراءَة لأهله، وأنَّه لا يعلم إلّا خيراً، تقول عائشة - رضي الله عنها -: "فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٩) كتاب التَّفسير.