للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظلماً عظيماً! {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)} [الأنعام].

واعلم أنَّ من يُحَدِّثُ عن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يغلب على ظنِّه أنَّه كَذِبٌ، فهو كمتعمِّد الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ" (١).

فإيَّاك إيَّاكَ أن تكون سمَّاعاً للكَذِبِ، أو راوياً أو خطيباً أو كاتباً أو ناقلاً أو محدِّثاً له. وامْسِك لسانك عمَّا لا يُحتاج إليه، وعمَّا لا علم لك به، وتثبَّت مِن الأخبار والآثار، وكُنْ كالرِّياح الَّتي تمرُّ على الطِّيب فتحمل طيباً.

وإيَّاك كلما صَاحَ في الجوِّ نَاعِب، أو نَاحَ شَاغِب أن تكون له تَبَعاً، فيضلّك

ويفتنك، فإيَّاك وإيَّاه، فَمَنْ كان الدَّنيء لَه دليلاً، فلا ريب أنَّه يسوقه إلى حَتْفِه، ويصيِّره على نمطه، ويخرطه في سَفَطِه، ولله القائل:

وَمَنْ يَكنِ الغرابُ له دليلاً ... يمرُّ بهِ على جِيَفِ الكِلابِ

فكم من "طبيب يداوي النَّاسَ وهو عليل" كما قال أبو العتاهية:

تَدُلُّ على التَّقوى وأنت مُقَصِّرٌ ... أيا مَنْ يُدَاوِي النَّاسَ وهو سَقِيمُ

إثم من دعا إلى ضلالة أو سنّ سنّة سيّئة

واحذر أن تدعو إلى ضَلالةٍ مِنْ حيث تعلم أو لا تعلم، فما مِنْ أَحَدٍ دَعَا إلى ضلالة أو غيّ أو بدعة، أو أحدث في الدِّين أمراً ليس مِنْه، إلَّا كان عليه مِثْلُ آثام تابعيه إلى يوم القيامة، سواء كان مبتدئاً لهذه الضَّلالة أو البدعة أو مسبوقاً إليها،


(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ١/ج ١/ص ٦٢) المقدّمة.

<<  <   >  >>