للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التّعصّب إلى الفرق يزيد من الفرقة

لا ريب أنَّ كثرة الفرق والجماعات والتَّعصُّب لها يزيد مِنْ فرقة المسلمين ويعمل على تمزيق الصَّف، وضعف الأمَّة وهوانها، ويجعل أمْرَها إلى بَوَار. فإذا قيل: لكن الجماعات كانت في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلها أَصْلٌ في الإسلام، فهناك المهاجرون، والأنصار، والأشعريّون، وأهل الصّفّة، وأهل بدر، وأصحاب الشَّجرة (أهل بيعة الرّضوان)، وأصحاب الحديبية، والطّلقاء، والعتقاء؟!

قلنا: فإذا كانت الجماعات في زماننا على ما كان عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، فنعمَّا هي. ونحن لا نجهل أنَّ في تاريخنا التَّعدُّد والتَّنوّع فهناك: الشَّافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة، والحنفيّة، ولا نجهل أنَّ الله تعالى سمَّى مِنْ أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار والأعراب لِحكَم، منها: تشريفهم، والثَّناء عليهم، وبيان فضلهم، وغرر خصائصهم، وطيب مغارسهم، ومكارم أخلاقهم، وكَرَم نِجَارهم، والدَّعوة إلى الاقتداء بهم، وغير ذلك، فهي تسميات مشروعة، ولكن إذا تُعُصِّب لها تصبح مردودة.

أخرج الشَّيخان عن جَابِر بْن عَبْد الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: " كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ

(ضربه بيده) رَجُلٌ مِنْ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنصَارِيُّ: يَا لَلْأَنصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟! قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" (١). ونحن نقول لمن يتعصَّب لجماعته مَا قاله - صلى الله عليه وسلم -: " دَعُوهَا؛


(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٥/ص ٦٥) كتاب التّفسير.

<<  <   >  >>