للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنافقون يوقعون الفتنة بين الحيّين

خرج عليّ - رضي الله عنه - إلى البصرة في النِّصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين لملاقاة أمِّ المؤمنين ومَنْ معها، فلمّا اجتمعوا اجتمعت كلمتهم؛ فخشي المنافقون وأعوانُهم الَّذين نُسِبَ إليهم قتل الخليفة عثمان - رضي الله عنه - مِن اجتماعهم على قتالهم، فاندسُّوا بين هؤلاء وهؤلاء فوضعوا فيهم السِّلاح، وأنْشَبوا السِّهام، وبذلوا فيهم السُّيوف، فنشب القتال على غير نيَّة، وأخذت كلُّ طائفة تدفع عن نفسها، وهي تظنّ أنَّ الأخرى بدأتها القتال، فكلتا الطَّائفتين محقَّة في غايتها، سليمة في نيَّتها، مدافعة عن نفسها.

[عائشة - رضي الله عنها - تنهى عن القتال يوم الجمل]

ما جرى في حادثة الجمل أَمْرُ نهارٍ قُضِيَ ليلاً، ولم يكن لأمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ولا لأمير المؤمنين عليٍّ - رضي الله عنه - يدٌ في ذلك، فقد كان كلّ منهما يَنْهَى عن القتال، روى البخاري عن أبي حميلة، قال: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: " يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَقَالَتْ: كُنْ كَخَيْرِ ابني آدم " (١).

أي كُنْ المقتُول ولا تكُن القاتِل، وهذا يدلُّكَ على أنَّ عائشةَ - رضي الله عنها - كانت تَنْهَى عن القتال ولا تَأْمر به.

كذلك الخليفة عليّ - رضي الله عنه - كان يتجنَّب القتال حتَّى لا يُصِيبَ دماً حراماً، ففي

"المطالب العالية " بسند صحيح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: " جِئْتُ إِلَى الْحَسَنِ - رضي الله عنه -،

فَقُلْتُ: اعْذُرْنِي عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ لَمْ أَحْضُرِ الْوَقْعَةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ - رضي الله عنه -: مَا تَصْنَعُ


(١) البخاري " التّاريخ الأوسط " (ص ٤٦/ رقم ٣٣٧).

<<  <   >  >>