للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[من أسباب الاختلاف وظهور الفتن]

واعلم أنَّ وراءَ اعتلال القلوب واختلافها ووقوعها في مضلَّات الفِتَن أسباب، منها: شياطين الإنس والجنّ.

فإيقاع العداوة بين النَّاس مِصْيدة وحِبَالة من حبائل الشَّيطان، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ (٩١)} [المائدة]، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣)} [الإسراء]. وجاء التَّعبير بالفعل المضارع: (يوقِع) والفعل المضارع (يَنْزَغ) لإفَادة التَّجدُّد، فهو ما يزال يفسد ويهيّج ويحرِّش بين النَّاس ويجدِّد في حيله ولا يتوقَّف.

ولذلك قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ" (١) أي بحملهم على العداوة والفتن، ولذلك فمن عادى مُسْلِماً، فإنَّما استزلَّه الشَّيطان.

والشَّيطان هو من يستحقُّ العداوة، فهو عدو لنا كما أخبر تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (٦)} [فاطر]. ولا يدَّخر الشَّيطانُ وُسْعاً في فتنة بني آدم، ولا يَضنُّ بإضلالهم، قَال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف]، {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (٦٠)} [النّساء]، {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)} [القصص].

وقد حذَّرنا الله تعالى من إبليس الَّذي يسعى غاية جَهْده في صَدِّ النَّاس عن


(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّوويّ" (م ٩/ج ١٧/ص ١٥٦) كتاب صفة القيامة.

<<  <   >  >>