للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وضع السَّيف فيهم بقتل الخليفة عثمان - رضي الله عنه -، فلم يزل حتَّى يومنا هذا، وسيظلّ إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها، وهذا مِن علامات نبوَّته - صلى الله عليه وسلم -، فالأمر واقع كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فقد عَمَّت الفتن وعَمَتْ، والحال يشهد لذلك.

تغبيط أهل القبور وتمني الموت عند نزول الفتن خشية ذهاب الدّين

عقد البخاريّ في كتاب الفتن باباً بعنوان: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ) وذكر فيه حديثاً عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ" (١).

وقد يقول قائل: كيف يسوغ له أن يتمنَّى الموت الَّذي هو أعظم المصائب

عند ظهور الفتن، مع أنَّه يكره لَه أن يتمنَّى الموت لضرٍّ نَزَلَ بِهِ، لقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:

"لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ المَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ" (٢).

والجواب، جاء النَّهي عن تمنِّي الموت إذا نزل به ضرٌّ في أمور دنياه ومعاشه، أمَّا إذا خشي على دينه، وكان الموت أَهْوَنَ عليه من ذهاب الدِّين، فلا كراهة في ذلك، والله أعلم. وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن الصَّامت - رضي الله عنه - أنَّ أبا ذرّ - رضي الله عنه -، قال له: " وَيُوشِكُ يَا ابْنَ أَخِي إِنْ عِشْتَ إِلَى قَرِيبٍ، أَنْ يَمُرَّ بِالْجَنَازَةِ فِي السُّوقِ فَيَرْفَعُ الرَّجُلُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي عَلَى أَعْوَادِهَا " (٣).


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ص ٩٤) كتاب الفتن.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ص ١٣٠) كتاب التَّمنِّي.
(٣) الحاكم "المستدرك" (ج ٤/ص ٤٤٧) كتاب الفتن، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه، وقال الذّهبي في التَّلخيص: على شرط البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>