للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقض قولهم: إنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى بيت عائشة - رضي الله عنها - وقال: هنا الفتنة

قالوا: روى البخاري عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "هُنَا الفِتْنَةُ ثَلَاثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (١). وروى مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا" (٢). وأوهموا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أشار إلى بيت عائشة - رضي الله عنها -، وأنَّه عنى بالفتنة عائشة، وأنَّ الحديث فيه ذمٌّ لها.

والقارئ البصير يعلم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنّما أشار نحو مسكن عائشة - رضي الله عنها - ولم يُشِرْ إلى مسكنها، فهناك فرق بين القول الشَّريف (نحو) والقول الخبيث (إلى)، {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ (١٠٠)} [المائدة] فهل يعقل أن يشير النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت عائشة - رضي الله عنها -، الَّذي هو بيته - صلى الله عليه وسلم -، ويصفه بهذا الوصف؟! {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦)} [النُّور].

والإشارة الشَّريفة إنَّما هي إلى المشرق إلى العراق، لأنَّها مشرقُ أهل المدينة كما ورد في أحاديث صريحة صحيحة، فقد روى مسلم عن سَالِم بْن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا ـ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ المشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ ـ وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأً، فَقَالَ الله ـ - عز وجل - ـ لَهُ:


(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٤/ص ٤٦) كتاب فرض الخمس.
(٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٨/ص ٣٢) كتاب الفتن.

<<  <   >  >>