قال قوم: أَذْنبت عائشة ذنباً لا تنفعُ معه توبةٌ ولا إِنابة، ولا يُقْبَلُ معه عَدْلٌ ولا شفاعة، فقد خَرَجَتْ على إِمَامِ زمانها، وخلعت يد الطَّاعة، وفارقت الجماعة، واستحلَّت السَّيف تحت راية عمياء، في مَلأ مِنَ النَّاس، فيهم طلحة، والزَّبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأنَّهم قبلوا البيعة لفظاً، ورفضوها معنىً.
قلنا: كَمْ سَاقَ الحِمَامُ إلى القُبُور أُناساً ظلموا أنفسهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} [محمَّد] فهؤلاء إنَّما سخطوا على مَنْ رضي الله عنهم، وكرهوا رضوان الله تعالى!
فما خرج أحد منهم - رضي الله عنهم - على عليّ - رضي الله عنه -، وما نَزَعَ يداً مِنْ طاعة، وما فارق الجماعة؛ فهم لا يجهلون وجوب الوفاء ببيعة خليفة المسلمين، ووجوب ملازمة الجماعة خاصَّة عند ظهور الفتن، وعدم جواز القتال تحت راية عُمِّيَّةٍ، فقد قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ "(١).
فهل نحن أعلم بهذا الحديث الشَّريف مِنْ أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وطلحة والزُّبير؟! أم خُصِصْنا بالعلم بِه، وعَزَبَ عنهم ولم يعرفوه؟! أم نحن أعلم منهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا
(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٦/ج ١٢/ص ٢٣٨) كتاب الإمارة.