للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أمَّته عن الاختلاف، لأنَّ مَنْ قبلنا هلك بأشباه هذا: ضربوا كتاب الله بعضه ببعض. وفي مثل هذا جاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيراً " (١).

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - كناية عن تمام بيانه، حيث لم يترك حجَّة بعده يستطيع أحد أن يأتي بها أو برهان، وفيه تحذير من الاختلاف.

ولا يخفى خطر الاختلاف والشِّقاق، فهو يوهن الأمَّة، ويذهب بهيبتها، ويزري بها عند أعدائها. وانظر كيف جعل الله تعالى التَّنازع بين المسلمين من أهمِّ أسباب فشلهم، فقال: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (٤٦)} [الأنفال].

[دلالة عطف النهي على الأمر]

والنَّهي عن التَّفرُّق في الإسلام، يوجب الاجتماع والوئام؛ لأنَّ مقتضى النَّهي عن الخلاف والافتراق، الأمْرُ بالوفَاقِ والاتِّفاق، ولذلك تجد في القرآن الكريم الأمر بالاعتصام والنَّهي عن التَّشقُّق والخصام، قَال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (١٠٣)} [آل عمران].

وجاء الخِطَاب بعطف النَّهي (ولا تفرَّقوا) على الأمْر (واعتصموا) والغرض توكيد الأمر بالنَّهي، فالأمَّة منهيَّة عن التَّفرُّق مهما كان قليلاً، لأنَّ ذلك يوهنها ويعصف بها.


(١) أحمد "المسند" (ج ١٣/ص ٢٧٨/رقم ١٧٠٧٧) وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>