للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أخبرنا الله تعالى عمَّن قبلنا أنَّ اختلافهم وسبب هلاكهم لم يكن مِنْ قِلَّة عِلْم، ولكن بَغَى بعضهم على بعض، قَال تعالى: {وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ (١٧)} [الجاثية].

أي أنَّ الاختلاف والتَّفرُّق مصدره سوء النِّيَّة وفساد الطَّويَّة ورداءة السَّجيَّة في كثير من الأمر، ولا عجب؛ فالإنسان ظلوم جهول، وكم من نفوس ابتليت بالحسد والبغي والفساد والعلوّ في الأرض فهل نَرِثُ أخلاقَ أقوامٍ بقيت قصصهم شاهدة عليهم؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)} [النّازعات].

وقد نبَّه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ما يخاف على أمَّته مِنْ موافقة الأمم قبلها فيما اختلفوا فيه، حتَّى لا نخوض كالَّذي خاضوا، فنهلك كما هلكوا، روى أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:

" لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِساً مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي، وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً (نَاحِية)، إِذْ ذَكَرُوا آيةً مِن القُرآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: مَهْلًا يَا قَوْمِ، بِهَذَا أُهْلِكَت الأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَضَرْبِهِم الكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ القُرآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضاً، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ" (١).


(١) أحمد "المسند" (ج ٦/ص ٢٥٢/رقم ٦٧٠٢) وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>