للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يُعَنِّفْ - صلى الله عليه وسلم - وَاحِدًا مِنْهُمْ دلالة على أنَّ الاختلاف في الاجتهاد معتبر.

أدب الخلاف بين الصَّحابة - رضي الله عنهم -

رغم ما وقع بين الصَّحابة - رضي الله عنهم - من خلاف في الأحكام إلَّا أنَّ ذلك لم يؤثِّر في سلامة قلوبهم، فهذا ابن عبَّاس - رضي الله عنه - يختلف مع شيخه زيد بن ثابت - رضي الله عنه - في مسألة: هل الجدّ يحجب الإخوة؟

وكان زيد بن ثابت - رضي الله عنه - (كاتب الوحي وأحد الرَّاسخين في العلم) يرى توريث الإخوة مع الجدّ، أمَّا ابن عبَّاس - رضي الله عنه - (حَبْر الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَان القُرآنِ) فقد جعل الجدّ يحجب الإخوة واستدلّ بالقياس، قال: "لِيَتَّقِ الله زَيْدٌ؛ أَيَجْعَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ؟! " (١).

فأنكر عليه أنَّه يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أب الأب أباً، ومقتضى كلامه أنَّ ابن الابن طالما أنَّه يحجب الإخوة، فكذلك ينبغي للجدّ أن يحجب الإخوة.

ومع هذا صحَّ أنَّ زيد بن ثابت ذهب ليرْكَبَ، فأخذ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ: " تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِكُبَرَائِنَا وَعُلَمَائِنَا" (٢).

فانظر كيف كان الصَّحابة - رضي الله عنهم - يجتهدون ويختلفون في مسائل عظيمة، ولا


(١) ذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (ج ٨/ص ٩٦٨/رقم ١٨٤٥) دون سند.
(٢) الحاكم "المستدرك" (م ٣/ص ٤٢٣) كتاب معرفة الصّحابة، وقال الحاكم: صَحِيحُ الإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وسكت عنه الذّهبي. وصحّحه الحافظ في "الإصابة" (م ٢/ج ٣/ص ٢٣/رقم ٢٨٧٤) من طريق يعقوب بن سفيان، عن الشّعبي.

<<  <   >  >>