للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُخْبِرُ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلامٌ، فَأُمِرَ بِالاغْتِسَالِ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُم اللهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ" (١). فجعل الجهل مَرَضاً وشفاءَه سؤال أهل الذِّكر.

وأنواع الفقه الأخرى لا تقلُّ أهميَّة عن فقه الكتاب والسُّنَّة، ومن ضروريَّاتها فقه الخلاف؛ نظراً لحاجة الأمّة إليه خاصّة في هذا الزَّمان.

ومَنْ نظر في حياة الصَّحابة أعلام الدِّين وقدوة المتأخِّرين بعد الصَّادق الأمين - صلى الله عليه وسلم -، وجد أنَّه وَقَعَ بينهم خلاف في مسائِل الاجتهاد، إلّا أنَّ أحداً منهم لم يشنِّع على الآخر، وإنَّما كانوا الأكثر إعذاراً وقبولاً للحقِّ، وآية ذلك استدراك عائشة على الصَّحابة - رضي الله عنهم -، وإقرارهم لها في مسائل ومخالفتهم لها في مسائل أخرى.

وَثَمَّةَ اختلافات وقعت بين الصّحابة - رضي الله عنهم - في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلّا أنّها لم تفرِّق بينهم، منها ما حدث يَوْمَ الأحزاب لِمنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا، وَلِمنْ أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي؛ لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ" (٢).

فقد أَخَذَ بعضهم بظاهر كلامه - صلى الله عليه وسلم - وأخَّر الصَّلاة حتَّى يأتي بني قريظة، وبعضهم فَهِمَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أراد منهم الجدّ والاجتهاد، فبادر إلى الصَّلاة في وقتها، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (١٠٣)} [النّساء].


(١) أحمد "المسند" (ج ٣/ص ٣٢٨/رقم ٣٠٥٧) وإسناده صحيح.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٥/ص ٥٠) كتاب المغازي.

<<  <   >  >>