فلم تزل تضطرم، وتستعر وتحتدم، إلى أن خمد لظى جمرها، وغاض ماء شررها وشرها، واضطجعت في مهادها، تحكي تحت غطاء رمادها:
دماً جرى من فواختٍ ذبحت ... عليه من ريشهن منشور
فراقني ما شاهدت من حالهما، وأمعنت النظر في منقلبهما ومآلهما، وقمت من شكر المنعم بأداء الفرض، وقلت بلسان التعظيم:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
ثم إن الصحب مالوا إلى الكرى، وطال عليهم - مع كونهم جلوساً - شقة السرى، فوثبنا لاقتفاء أثر ما تقر عين الهاجع، وسألنا الحي القيوم أن يجعلنا من الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع.
[الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه]
سألني بعض المائلين إلى الهوى، المصابين بسهام الصبابة والجوى - الساهرين في الليل الطويل الذوائب، الذين صرفوا على المحبة حبات قلوبهم الذوائب - عن مراتب العشق وضروبه، وقبائل الحب وشعوبه، وهزله وجده، وجزره ومده، وشواهد شهده وسمه، وما قيل في مدحه وذمه، فأجبته إلى سؤاله، وجمعت بينه وبين آماله:
يقولون لي صفها فأنت بوصفها ... خبير أجل عندي بأوصافها علم