ملت إلى الاستغفار، وسألت العفو من العزيز الغفار، ولذت - كما قال الحريري - بالمتاب، وآليت لا أحضر - ما دمت حياً - مجالس الشراب.
[الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب]
رأيت بعض مشايخ الأصحاب، وهو يتعاطى ما يتعاطاه الشباب. فقلت: يامن وعظه الشيب، جاءك النذير بلا ريب، فاصرف عين العيب، واق عالم الشهادة والغيب. نأت الغرابيب السود، ودنت البزاة واثبة كالأسود. وظهرت غرة القمر، وأومض البرق في ليل الشعر. ورمي فاحم الفود بضده، واشتعل المبيض في مسوده. قدم رائد الهداية، وزائد الغواية، وطليعة العفاف، وذريعة الإنصاف. ومظنه الوقار، ومشرق الأنوار. فخل الخلال الجانية عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك:
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأزهار
من شباب عذاره لم تقبل أعذاره. من عذل شبابه ولي مصابه. من لمع ضوء فرعه، تفرق شمل جمعه. من كبر ذوى عوده، وغابت سعوده، وأفل نجمه، ووهن عظمه، وضعف بعد القوة جسمه، وخمدت منه الأنفاس، عنه ظباء الكناس: