للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكيف نثق بالأغلبية ونلتزم بها مع ما ورد من نصوص قرآنية في ذمها؟

يجاب عن هذا الاستدلال من خمسة أوجه على النحو التالي:

١ - أن هذا الاستدلال إنما يصح عندما يتعلق بأكثريتين:

الأولى: أكثرية عموم البشر؛ لأن الله حكم عليها بالخسران واستثنى منها أهل الإيمان فقال {وَالْعَصْرِ إِن الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالْصبْرِ}. (١)

الثانية: أكثرية الناس مجردة عن صفات الأهلية والكفاءة.

أما حين تكون الأهلية مقيدة بأوصاف الأهلية والكفاءة، كأكثرية أهل الحل والعقد، وأكثرية أهل العلم، وأكثرية أهل الإيمان، فهذه أكثرية محمودة شرعا .. وبهذا تعلم أن الأكثرية ليست مذمومة على الإطلاق، فأكثرية أهل العلم والصلاح ليست كأكثرية أهل الجهل والعصيان. (٢)

٢ - أن الذم المفهوم من قوله تعالى {وَمَا أَكْثَرُ الْنَاسِ وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِينَ} ليس راجعا إلى وصف " الكثرة " في حد ذاته، بل هو راجع إلى ارتباط الكثرة بـ " عدم الإيمان "، وحين ينتفي "عدم الإيمان"؛ ينتفي الذم المفهوم من الآية.

٣ - أن القرآن الكريم إنما ذم كثرة الكفر والضلال، لا كثرة الإيمان ففي تفسير الجلالين في قوله تعالى {وَإنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الُأَرْضِ} قال: أي الكفار {يُضِلُوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}؛ قال: دينه" (٣).

فالكثرة مطلوبة ومرغوبة ومعتد بها، شريطة ألا تخرج عن دائرة الإيمان والصلاح، إلى دائرة الكفر والإفساد .. وعلى هذا فكثرة المؤمنين أفضل من قلتهم من حيث هم مؤمنون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة .. ". (٤)


(١) العصر (١ - ٣).
(٢) بلوغ الأمنية في حكم الترجيح بالأكثرية: أبو المنذر الشنقيطي، ص ٣.
(٣) تفسير الجلالين: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الحديث: القاهرة، ط (١) دت، ص ١٨٢.
(٤) سنن الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، ج ٤، ص ٣٥، برقم ٢١٦٥، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٤٣١١.

<<  <   >  >>