للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى يستقيم الاستشهاد بقول ملكة سبأ، ولا يبقى فيه مجال للإنكار والاعتراض لا بد من التنبيه على أمرين: (١)

الأول: ما قرره الشاطبي وهو كل حكاية وقعت في القرآن، فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها وهو الأكثر رد لها أو لا، فإن وقع رد فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه، وإن لم يقع معها رد، فذلك دليل على صحة المحكي وصدقه .. فإن القرآن سمي فرقانا، وهدى، وبرهاناً، وتبياناً لكل شيء، وهو حجة الله على الخلق، على الجملة والتفصيل، والإطلاق والعموم. ... وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق، ثم لا ينبه عليه .. ". (٢)

وما قالته ملكة سبأ والتزمت به من أنها لا تبرم أمراً إلا بموافقة ملئها ليس عندنا في القرآن، ولا في السنة في نفس الموضوع ولا في غيره ما يرده ويبطله فلا مجال لإبطال ما قالته المرأة والتزمت به. (٣)

الثاني: وهو أعلى درجة من سابقه، وهو أن ملكة سبأ سيقت في القرآن مساق التنويه والرضى من تدبيرها وتصرفها وعاقبة أمرها. (٤)

قال القرطبي معلقاً على مشاورتها ومحاورتها لملأها: " فأخذت في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض بقولها فيما ذكر الله عنها {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَى تَشْهَدُونَ} فكيف في هذه النازلة الكبرى ... ". (٥)

وجه الشاهد: فبناء على أن قولها {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرً حَتى تَشْهَدُونَ}، محكي في كتاب الله عز وجل من دون أي إبطال أو ذم.

وبناء على سياق التأييد والرضى الذي جاء فيه هذا القول، فإن قولها والتزامها وجريان العمل عندها بأنها لا تقطع في أمر من أمور الدولة، إلا بعد أن يشهده ملؤها، ويوافقوا عليه، يعتبر شرعا مثالا يُحتذى. (٦)


(١) قضية الأغلبية: الريسوني، ص ١١.
(٢) الموافقات: الشاطبي، ج ٣، ص ٣٥٣ - ٣٥٤
(٣) قضية الأغلبية: الريسوني، ص ١٢.بتصرف
(٤) المرجع نفسه.
(٥) تفسير القرطبي: القرطبي، ج ١٣، ص ١٩٤.
(٦) قضية الأغلبية: الريسوني، ص ١٣.

<<  <   >  >>