للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكقوله جل وعلا في كفارة قتل الصيد حال الإحرام: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة:٩٥] فإذا كانت العطوف التي بـ (أو) في القرآن الكريم، في كل ما أوجب الله به فرضاً بمعنى: التخيير، فكذلك المراد بها في الآية التي معنا: التخيير، إذ لا فرق ظاهر بين تلك الآيات. (١)

- وقد رد هذا الاستدلال:

أ- بأنه لو كان المراد من (أو) في الآية التخيير لوجب أن يمكن الإمام من الاقتصار على النفي، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك، علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير.

ب- أن المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقدهمَّ بالمعصية ولم يفعل، وذلك لا يوجب قتله، كالعزم على سائر المعاصي. فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير، وأنه يجب أن يضمر في كل فعل على حدة، فعلاً على حدة. (٢)

٢ - قوله جل وعلا: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢] فقد دلت هذه الآية على أن الإفساد في الأرض بمنزلة قتل النفس في باب وجوب قتل فاعله، والمحاربون مفسدون في الأرض مستحقون للقتل بخروجهم وامتناعهم وإخافتهم للناس، وإن لم يقتلوا أحداً ولم يأخذوا مالاً.

وقد رد هذا الاستدلال: بأن المراد بالإفساد في الأرض: الإفساد الذي يكون معه قتلُ، أو يكون المراد به: إظهار الفساد في الأرض، مما يستحق به القتل على وجه الدفع.


(١) تفسير الطبري (٤/ ٥٥٥).
(٢) تفسير الرازي (١١/ ٢١٦).

<<  <   >  >>