للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأصبع لا يمكن أن يجعل كله في الأذن، ولكن لما كان الغرض المبالغة في تمثيل حال المنافقين بحال ذوي العيب الذين تزعجهم أصوات الرعد، جاء بهذا الأسلوب لبيان أنهم لو استطاعوا أن يجعلوا أصابعهم كلها في آذانهم لفعلوا ذلك. فعبر بالأصبع وأراد الأنملة، والعلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل.

وكقوله جل وعلا: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:٥٤].

فليس المراد بـ (الناس) سائرهم، وإنما المراد بهم: (الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -) الذي اختصه الله جل وعلا بكونه خاتم الرسل والأنبياء.

ومن أمثلة ذلك قولك: (شربت ماء زمزم) أي: شربت جزءاً منه، وليس جميعه. (١)

فكذلك قوله جل وعلا: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام:٦٦] المراد به: وكذب به أكثر قومك وهم المعاندون من قريش.

وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.

قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (١٣٠)} [الأنعام:١٣٠].

قال أبو جعفر الطحاوي: إن هذا الكلام كلام عربي خوطب به قوم عرب، يعقلون ما أراد به مخاطبهم، والعرب قد تخاطب بمثل هذا على جماعة، ثم ترده إلى بعضهم دون بقيتهم، فمن ذلك قول الله عز وجل: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:١٣٠] فكان الخطاب في ذلك بذكر الجن والإنس، ومعقول أن الرسل من الإنس لا من الجن.

(شرح مشكل الآثار -٥/ ٣٦١)


(١) انظر: البلاغة فنونها وأفنانها (٢/ ١٥٢) - والبلاغة الميسرة (١٦٨).

<<  <   >  >>