للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدراسة

بين الإمام الطحاوي أن هذه الآية غير دالة على أن من الجن رسلاً، وإليك بيان أقوال المفسرين في ذلك:

القول الأول: أن هذه الآية دالة على أن من الجن رسلاً وأنبياء.

- وهذا قول: الضحاك بن مزاحم - ومقاتل - وأبي سليمان. (١)

- ومن أدلة هذا القول:

١ - قوله جل وعلا: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:١٣٠].

فقد أخبر الله جل وعلا في هذه الآية أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم. ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى: أنهم رسل من الإنس، لجاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى: أنهم رسل من الجن.

وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن معنى الآية: بيان أن الله جل وعلا أرسل رسلاً إلى الجن منهم، كما أرسل إلى الإنس رسلاً منهم. (٢)

وقد رد هذا الاستدلال بما يلي:

أ- أنه لما كانت الإنس والجن ممن يخاطب ويعقل، وكان النداء والتوبيخ لهما معاً، جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوز المعهود في كلام العرب، فقال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:١٣٠] وإن كانت الرسل من الإنس خاصة. (٣)

ب- أن الله جل وعلا خاطب الجميع فقال: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:١٣٠] وهذا يقتضي أن رسل الجن والإنس تكون بعضاً من أبعاض هذا المجموع.

وإذا كان الرسل من الإنس كان هؤلاء الرسل بعضاً من أبعاض ذلك المجموع، فكان هذا القدر كافياً في حمل لفظ الآية على ظاهره.


(١) تفسير ابن الجوزي (٣/ ٨٦).
(٢) تفسير الطبري (٥/ ٣٤٦).
(٣) انظر: معاني القرآن للنحاس (٢/ ٤٩٢) - وتفسير أبي حيان (٤/ ٦٤٨).

<<  <   >  >>