وكان مولد طاهر بن الحسين في المحرم، سنة تسع وخمسين ومائة. ووفاته سنة سبع ومائتين.
ولما مات، شغب الجند بخراسان، وانتهبوا خزائن طاهر. فقلد المأمون مكانه طلحة ابنه، ووجه بأحمد بن أبي خالد إلى خراسان ليعاونه في إصلاح الأمر. فصار إلى هناك، وأصلح الأمور، وسكن اضطرابها. ووجه إليه طلحة بثلاثة آلاف درهم وعروضاً بألفي ألف درهم، ووهب لإبراهيم بن العباس كاتبه خمسة آلاف درهم.
[دير السوسي]
وهذا الدير لطيف على شاطىء دجلة، بقادسية سر من رأى. وبين القادسية وسر من رأى أربعة فراسخ، والمطيرة بينهما. وهذه النواحي كلها متنزهات وبساتين وكروم. والناس يقصدون هذا الدير ويشربون في بساتينه. وهو من مواطن السرور ومواضع القصف واللعب.
ولابن المعتز، فيه:
يا لياليّ بالمطيرة والكر ... خ وجير السّوسي بالله عودي
كنت عندي أنموذجات من الجنّ ... ة، لكنها بغير خلود
والقادسية، من أحسن المواضع وأنزهها، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين، جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة. وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف ببركوار، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز، وجعل أعذاره فيه. وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها. وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.
قال: ولما صح عزمه على إعذار أبي عبد الله المعتز، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للايوان في عرضه وطوله، وكان طوله مائة ذراع، وعرضه خمسون ذراعاً. فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الايوان وعرضه. وكان بساطاً ابريسماً غرز مذهب مفروز مبطن؛ فلما رآه المتوكل، أعجب به وأراد أن يعرف قيمته. فجمع عليه التجار، فذكر أنه قوم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار. فبسط في الايوان، وبسط لخليفة في صدر الايوان سرير، ومد بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر فيها تماثيل العنبر والند والكافور المعمول على مثل الصور، منها ما هو مرصع بالجوهر مفرداً، ومنها ما عليه ذهب وجوهر وجعلت بساطاً ممدوداً، وتغدى المتوكل والناس، وجلس على السرير، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب فأجلسوا على مراتبهم، وجعل بين صوانيهم والسماط فرجة. وجاء الفراشون بزبل قد غشيت بأدم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت. وقام الغلمان فوقها، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب، وأن ينتقل كل من يشرب بثلاث حفنات ما حملت يداه من ذلك المال. فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرج إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه. وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملأونه به حتى يعود إلى حاله. وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري. وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان في صحن الدار بين يدي الايوان أربعمائة بلية عليهن أنواع الثياب، وبين يديهن ألف نبيجة خيزران، فيها أنوا ع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت والتفاح الشامي والليموه وخمسة آلاف باقة نرجس وعشرة آلاف باقة بنفسج. وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية ما كان أعده لهم وهو عشرون ألف ألف درهم، فلم يقدم أحد على التقاط شيء، فأخذ الفتح درهماً، فأكبت الجماعة على المال فنهب. وكانت قبيحة قد تقدمت بأن تضرب دراهم، عليها: بركة من الله، لاعذار أبي عبد الله المعتز بالله. فضرب لها ألف ألف درهم نثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة من البيضان والسودان.
وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم، محمد بن المنتصر، وأبو أحمد وأبو سليمان ابنا الرشيد، وأحمد والعباس ابنا المعتصم، وموسى بن المأمون، وابنا حمدون النديم، وأحمد بن أبي رؤيم، والحسين بن الضحاك، وعلي بن الجهم، وعلي بن يحيى المنجم، وأخوه أحمد.
ومن المغنين: عمرو بن بانة، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك الرازي، عثعث، سليمان الطبال، المسدود؛ أبو حشيشة، ابن القصار، صالح الدفاف، زنام الزامر، تفاح الزامر.