كل حياةٍ بلا دين ففاسدةٌ ... والمرد يا ابن يمان أفسدوا ديني
كم توبةٍ بعدها أخرى استتبت بها ... فليس دهري على ديني بمأمون
لو امنتني الذي نفسي تخوّفه ... منهم ببغداد يوماً عذت بالصين
وقد سألت خبيراً من تجارهم ... فظلّ منه بحسن الوصف ينبيني
فقال: بالصين ألوانٌ تلين لها ... صلب القلوب وأمرٌ ليس بالدون
وقائل: عذ ببيت الله، قلت له: ... من لي من المرد في الاحرام ينجيني
إذا بدت كثبٌ ليثت بها أزرٌ ... وقفت نصباً لمن باللحظ يرميني
من لي إذا زاحموني في طوافهم ... هناك يبدي ضميري كل مكنون
ما لي من المرد إلا الله يعصمني ... ربّ المثاني وطه والطواسين
قد كنت في النسك قبل اليوم منغمساً ... يشوب حبي لهم سمت ابن سيرين
أدنوا بعين تقي حشو مقلتها ... حبٌّ لكل نقي الخد ذي لين
فالآن تبت، فحسبي منهم نظري ... استغفر الله، والتقبيل في الحين
وقال أيضاً:
إني بكيت لجسمي في تنقُّصه ... لم أبك رسماً ولا ربعاً ولا دارا
وشاطر ذي اختيالٍ في تكرّهه ... كالغصن يألف فسّاقاً وشطارا
ما زلت عنه بمكري والخداع إلى ... أن صار عرفانه للحق إنكارا
فاتلت عقل الفتى بالكأس أقرعها ... بالخمر أتبعها شعراً وأسمارا
حتى إذا ما استعار الليل مهجته ... وقبض النوم أسماعاً وأبصارا
دببت أمشي على الكفين ألمسه ... كمشي مسترقٍ للسمع أسرارا
وكرّ يمشق في قرطاسه قلمي ... والليل ملق على الآفاق أستارا
فقال لما انجلى عن عينه وسنٌ ... وقد رأى تكة حلت وآثارا:
يا راقد الليل مسروراً بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
وله أيضاً:
ومغفٍ على الكأس من سكره ... تبذّلت ما صان من ظهره
وقبلته مائتي قبلة ... ولم أرض إلا على ثغره
وأعزز علي بما سرني ... من الاقتدار على أمره
فلما تنبّه أبصرته من ... الغيظ يخرج من قشره
وقد كان في سقيه كادني ... ولكنه رد في نحره
وله أيضاً:
يا أيها المرد قد نصحت لكم ... خافوا من الله فضل نقمته
إذا سطا أمرد وتاه على ... عاشقه كان غبّ سطوته
ان يبعث الله في محاسنه ... شعراً فيطفي ضياء بهجته
عقوبة الأمرد الذي كثرت ... ذنوبه في خروج لحيته
ينكره الناس بعد معرفةٍ ... وقد تواصوا بطول جفوته
هذا نبيّ الاله قبلكم ... قد أنكرته عيون إخوته
وبعده أين حسن وجه أبي ... بكر وألحاظه بفتنته
قد عقرب الصدغ فوق وجنته ... على بياضٍ من تحت حمرته
صار على الناس بعد عزته ... مثل قعيس بباب عمته
[عمر أحويشا]
وتفسير أحويشا بالسريانية الحبيس. وهذا العمر بسعرت، وسعرت مدينة كبيرة من ديار بكر، بقرب أرزن، والعمر مطل على أرزن. وهو كبير عظيم، فيه أربعمائة راهب في قلالي. وحوله بساتين وكروم. وهو في نهاية العمارة وحسن الموقع وكثرة الفواكه والخمور. ويحمل منه الخمر إلى المدن المذكورة. وبقربه عين عظيمة تدير ثلاث أرحاء. وإلى جانبه نهر يعرف بنهر الروم. وهذا العمر مقصود من كل موضع للتنزه فيه والشرب. والخلعاء والمتطربون أغلب عليه من أهله.
وللبادي الشاعر، فيه:
وفتيان كهمّك من أُناس ... خفافٍ في الغدو وفي الرواح
نهضت بهم، وستر الليل ملقىً ... وضوء الصبح مقصوص الجناح
نؤمُّ بدير أحويشا غزالاً ... غريب الحسن كالقمر اللّياح