وهذا الدير بالشرق. وهو دير حسن، عامر في أيام الربيع. ويسمى أيضاً دير الحمار. وشاهده يعرف بمريكس. وهو ناء عن دجلة وعن المدينة.
وله باب حجر، ذكر النصارى أن هذا الباب يفتحه الواحد والاثنان حتى يتجاوز السبعة. فإن تجاوزوا السبعة لم يقدر أحد منهم على فتحه، ولا يفتحه حينئذ إلا سبعة.
وذكروا أيضاً، أن فيه غرابين، تتناسل هناك، لا يخلو منها. فربما طرقه اللصوص فدخلوه. فإن حصل فيه أحد، صعد الغرابان على مرج الدير، فإذا أقبل إليه أحد ممن يطرقه أو يقصده تلقاه الغرابان يصيحان في وجهه كالمنذرين له، فيعلم أن في الدير قوماً، فيرجع. فإن لم يكن في الدير أحد لم يفعلا شيئاً من ذلك.
[دير مار شمعون بنواحي السن]
في هذا الدير كرسي الأسقف، وفيه أيضاً بئر. فمن لحقه بهق، قصده واغتسل من البئر، لم يبرح حتى يزول عنه.
[دير العجاج]
وهذا الدير بين تكريت وهيت، عامر كثير الرهبان وخارجه عين ماء تصب إلى بركة هناك. وفي البركة سمك أسود وهو طيب عذب الطعم. وحوله مزارع وخضر تسقى من تلك العين.
[دير الجودي]
والجودي هو الجبل الذي استقرت عليه السفينة. وبين هذا الجبل وجزيرة ابن عمر سبعة فراسخ. وهذا الدير مبني على قلة الجبل. يقال أنه بني منذ أيام نوح عليه السلام، ولم يتجدد بناؤه إلى هذا الوقت.
وزعموا أن فيه أعجوبة. حدثني بها بعض نصارى الجزيرة، وهي أن سطحه يشبر فيكون عشرين شبراً. ثم يعاود قياسه فيكون ثمانية عشر شبراً. ثم يعاود فيكون اثنين وعشرين شبراً، في كل دفعة يشبر يختلف عدده. وأنه اعتبر ذلك وقاسه فوجده كما ذكر.
[كنيسة الطور]
وطور سينا، هو الجبل الذي تجلى فيه لموسى عليه السلام وصعق فيه. والكنيسة في أعلى الجبل، مبنية بحجر أسود. وعرض حصنه سبعة أذرع، وله ثلاثة أبواب حديد. وفي غربيه باب لطيف قدامه حجر لهم، إذا أرادوا رفعه رفعوه، وإن قصدهم أحد أرسلوه فانطبق على الموضع فلم يعرف مكان الباب. وداخله عين ماء وخارجه عين أخرى. وزعم النصارى أن بها ناراً من نوع الجديدة التي كانت بالبيت المقدس، يوقدون منها في كل عشية، وهي بيضاء ضعيفة الحر لا تحرق ثم تقوى إذا أوقد منها السرج.
وهو عامر بالرهبان، والناس يقصدونه لأنه من الديارات الموصوفة.
ولابن عاصم، فيه:
يا راهب الدير، ماذا الضوء والنور ... فقد أضاء به في ديرك الطّور
هل حلّت الشمس فيه دون أبرجها ... أو غيّب البدر فيه فهو مستور
فقال: ما حلّه شمسٌ ولا قمرٌ ... لكن تقرّب فيه اليوم قورير
[بيعة أبى هور]
وهذه البيعة بسرياقوس من أعمال مصر، عامرة، كثيرة الرهبان، لها أعياد يقصدها الناس. وفيها، على ما ذكره أهلها، أعجوبة وهي إن من كانت به خنازير، يقصد هذا الموضع ليعالج به. فيأخذه رئيس الموضع فيضجعه ويأتيه بخنزير فيرسله على موضع الوجع، فيأكل الخنزير الذي فيه، لا يتعدى ذلك الموضع. فإذا تنظف الموضع، ذر عليه من رماد خنزير فعل مثل هذا الفعل من قبل ومن زيت قنديل البيعة فيبرأ، ثم يؤخذ ذلك الخنزير فيذبح ويحرق ويعد رماده لمثل هذه الحال.
[دير يحنس]
هذا الدير بدمنهور، من أعمال مصر. إذا كان يوم عيده، أخرج شاهده من الدير في تابوت، فيسير التابوت على وجه الأرض لا يقدر أحد أن يمسكه ولا يحبسه حتى يرد البحر فيغطس فيه ثم يرجع إلى مكانه.
[بيعة اتريب]
وعيدها اليوم الحادي والعشرين من بونة. يذكرون أن حمامة بيضاء تجيئهم في ذلك العيد. فتدخل المذبح، لا يدرون من أين جاءت، ثم لا يرونها إلى يوم مثله.
[وبنواحي اخميم]
دير كبير عامر، يقصدونه من كل موضع. وهو بقرب الجبل المعروف بجبل الكهف. وفي موضع من الجبل شق، إذا كان يوم عيد هذا الدير، ولم يبق من الطير المعروف ببوقير شيء في ذلك المكان، وهم به كثير حتى يجيء إلى الموضع فيكون أمراً عظيماً لكثرته واجتماعهم وصياحهم عند ذلك الشق، ثم لا يزالون واحداً بعد واحد يدخل رأسه في ذلك الشق ويصيح ويخرج ويجيء غيره فيفعل كفعله إلى أن يعلق رأس أحدهم وينشب في الموضع، فيضطرب حتى يموت. فحينئذ يتفرق الباقون ويرجعون إلى مواضعهم، فلا يبقى منها طائر. والله أعلم.
خاتمة المخطوط