وكان أبو مسلم، صاحب دعوتهم، يدعي أنه من ولد سليط بن عبد الله بن عباس! فكان مما قرعه به أو جعفر: وادعيت أنك ابن سليط ابن عبد الله ابن عباس فكان هذا أول ما بدأ به من خطابه، ثم تعريفه إياه بذنوبه فكتبت إلى أبي العباس تقول: إن إبراهيم الامام أقر بما استودعه إياه محمد بن علي من نسبك وولادة عبد الله ابن عباس إياك، وانك عبد الرحمن بن سليط بن عبد الله بن عباس، وأنه وعدك إذا تمم الله هذه الدعوة وقتل الكفرة من بني أمية، أن يزوجك أم علي بنت علي بن عبد الله. فما كنت قائلاً لرسول الله، صلى الله عليه، وأنت المجهول النسب: علج من علوج أصبهان. قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني بهذا أخوك إبراهيم بن محمد. وكان هذا القول جرى بينهما في خطاب طويل قبل قتله إياه.
[دير زكى]
وهذا الدير بالرقة على الفرات. وعن جنبيه نهر البليخ. وهو من أحسن الديارات موقعاً وأنزهها موضعاً. وكانت الملوك إذا اجتازت به نزلته وأقامت فيه، لأنه يجتمع فيه كل ما يريدونه من عمارته ونفاسة أبنيته وطيب المواضع التي به. ونزهه ظاهره، لأنه له بقايا عجيبة. وبناحيته من الغزلان والأرانب وما شاكل ذلك مما يصطاد بالجارح من طير الماء والحبارى وأصناف الطير. وفي الفرات، بين يديه، مطارح الشباك للسمك. فهو جامع لكل ما تريده الملوك والسوقة. وليس يخلو من المتطربين لطيبه، سيما أيام الربيع: فإن له في ذلك الوقت منظراً عجيباً.
وللصنوبري، فيه:
أراق سجاله بالرّقتين ... جنوبيٌّ صخوب الجانبين
وأهدى للرصيف رصيف مزن ... يعاوده طرير الطّرتين
معاهد بل مآلف باقياتٌ ... بأكرم معهدين ومألفين
يضاحكها بالفرات بكل فج ... فيضحك عن نضارٍ أو لجين
كأن الأرض من صفر وحمر ... عروسٌ تجتلى في حلتين
كأن عناق نهري دير زكّى ... إذا اعتنقا عناق متيّمين
وقت ذاك البليخ يد الليالي ... وذاك النيل من متجاورين
أقاما كالسوارين، استدارا ... على كنفيه أو كالدّملجين
أيا متنزّهي في دير زكّى ... ألم تك نزهتي بك نزهتين
أردّد بين ورد نداك طرفاً ... يردّد بين ورد الوجنتين
ومبتسم كنظمي أُقحوان ... جلاه الطلّ بين شقيقتين
ويا سفن الفرات بحيث تهوى ... هويّ الطير بين الجانبين
تطارد مقبلاتٍ مدبراتٍ ... على عجل تطارد عسكرين
ترانا واصليك كما عهدنا ... وصالاً لا ننغّصه ببين
ألا يا صاحبيّ خذا عناني ... هواي سلمتما من صاحبين
لقد غصبتني الخمسون فتكي ... وقامت بين لذاتي وبيني
وكان اللهو عندي كابن أُمي ... فصرنا بعد ذاك لعلّتين
ومن مليح شعره في وصف الرقتين:
أما الرياض فقد بدت ألوانها ... صاغت فنون حلّيها أفنانها
رقّت معانيها ورقّ نسيمها ... وبدت محاسنها وطاب زمانها
نظمت قلائد زهرها كجواهرٍ ... نظمت زمردها إلى عقيانها
هذا خزاماها وذا قيصومها ... هذا شقائقها وذا حوذانها
لو أن غدران السحاب تواصلت ... سحاً إذا لتواصلت غدرانها
تبكي عليها عين كل سحابةٍ ... ما أن تمل من البكا أجفانها
منقادةٌ طوع الجنوب إذا بدت ... فكأنها بيد الجنوب عنانها
واهاً لرافقة الجنوب محلة ... حسنت بها أنهارها وجنانها
يا بلدة ما زال يعظم قدرها ... في كل ناحية ويعظم شأنها
أما الفرات فإنه ضحضاحها ... أما الهنيّ فإنه بستانها
وكأن أيام الصبا أيامها ... وكأن أزمان الهوى أزمانها
مهما نصد غزلانها يوماً فقد ... ظلت تصيد قلوبنا غزلانها
حثّ الكؤوس فإن هذا وقتها ... وصل الرياض فإن ذا إبّانها
وله:
إن الزمان غدا بوجهٍ كالح ... من بعد ما كنا نراه طليقاً