للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو حمّل الثقلان م حمّلت من ... شوقٍ لأثقل حمله الثقلين

وقال أيضاً:

وإلى الرقّتين أطوى قرى البي ... د بمطوية القرا مذعان

حبذا الكرخ، حبذا العمر، لا بل ... حبذا الدير، حبذا السّروتان

قد تجلى الربيع في حلل الزه ... ر وصاغ الحمام حلي الأغاني

ألبستها يد الربيع من الأل ... وان برداً كالأتحمي اليماني

يا خليليّ هاتما علّلاني ... عاطياني الصهباء لا تدرأاني

أبعدا الماء، أبعدا الماء، قوما، ... أدنيا، أدنيا بنات الدنان

سقّياني من كلّ لونٍ من الرا ... ح على كل هذه الألوان

أخضر اللون كالزمرد في أح ... مر صافي الأديم كالارجوان

وأقاحٍ كاللؤلؤ الرّطب قد ... فصّل بين العقيق بالمرجان

وبهار مثل الدنانير محفو ... ف بزهر الخيري والحوذان

وكأن النعمان حلّ عليها ... حللاً من شقائق النعمان

وللرشيد، يذكر هذا الدير:

سلامٌ على النازح المغترب ... تحية صبٍ به مكتئب

غزالٌ مراتعه بالبليخ ... إلى دير زكى فقصر الخشب

أيا من أعان على نفسه ... بتخليفه طائعاً من أحب

سأستر، والستر من شيمتي ... هوى من أحب بمن لا أُحب

وكان عند مسيره من الرافقة إلى بغداد، خلف بها ماردة أم أبي إسحق المعتصم، فاشتاقها، فكتب إليها بهذه الأبيات. قال: فلما ورد كتاب الرشيد عليها، قالت لبعض من يقول الشعر: أجبه! فقال عن لسانها:

أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه مع الفضل كل العجب

أتزعم أنك لي عاشقٌ ... وأنك بي مستهامٌ وصب

ولو كان هذا كذا، لم تكن ... لتتركني نهزةً للكرب

وأنت ببغداد ترعى بها ... رياض اللذاذة مع من تحب

فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب

كتابك قد زادني صبوةً ... وأسعر قلبي بحرّ اللهب

فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب

ولولا اتقاؤك يا سيدي ... لوافتك بي ناجيات النجب

قال: فلما قرأ كتابها، وجه من يحدرها من وقتها إليه: وذكر صالح التركي، وكان المعتصم في حجره، قال: عشق الرشيد ماردة عشقاً مبرحاً، فقال فيها:

وإذا نظرت إلى محاسنها ... فلكلّ موضع نظرةٍ نبل

وتنال منك بحدّ ناظرها ... ما لا ينال بحدّه النّصل

شغلتك وهي لكل ذي بصرٍ ... لاقى محاسن وجهها شغل

فلقلبها حلمٌ يباعدها ... عن ذي الهوى ولطرفها جهل

ولوجهها من وجهها قمرٌ ... ولعينها من عينها كحل

وللرشيد شعر صالح، وأبيات مفردات، كان يتمثل بها. وأكثر شعره في جواريه وعشقه لهن. فمن شعره:

ملكت من أصبح لي مالكاً ... لكنه في ملكه ظالم

لو شئت لاستاقته لي قدرةٌ ... ولكنّ حكم الحب لي لازم

أحببت من بين هذا الورى ... وهو بحبي خبرٌ عالم

قبيح فعل حسنٌ وجهه ... يعذر في أمثاله اللائم

أحسن من أبصره مبصرٌ ... لو أنه في حسنه راحم

وله:

صيّرني الحبّ إلى ما ترى ... أنحل جسمي ولقلبي كوى

قد كتب الحبّ على جبهتي: ... هذا قتيلٌ في سبيل الهوى

قال: وكان الرشيد قد استخص هيلانة، جارية أخيه الهادي. وأحبها حباً شديداً. فخلفها في بعض أسفاره ببغداد، ثم اشتاقها، فقال هذه الأبيات:

أهدى الحبيب مع الجنوب سلامه ... فاردد عليه مع الشمال سلاما

واعرف بقلبك ما تضمّن قلبه ... وتداولا بهواكما الأياما

مهما بكيت له فأيقن أنه ... ستفيض عيناه الدموع سجاما

فاحبس دموعك رحمةً لدموعه ... إن كنت تحفظ أو تحوط ذماما

<<  <   >  >>