إن الغرض الأساسي من تحقيق أي نص، هو رده لحالته الأولى التي وضعه عليها مؤلفه، أو قريبًا منها.
ولا شك أنه ليس كل نص يستحق التحقيق، كما أنه ليس كل ما تركه المتقدمون يستحق الإحياء.
والنصوص التي يجب إحياؤها من تراث المتقدمين، تخضع لمواصفات وشروط معينة، من كونها تحمل في طياتها عناصر حية، تسهم في حل المعضلات الحاضرة، أو تتميز بمنهج يسهم في تبلور المناهج وتأصيلها، إلى غير ذلك من الخصائص والاعتبارات التي تجعل عملية إحياء مخطوط ما ليس اعتباطًا.
وبعد ذلك، فإحياء النص نفسه يخضع لضوابط جد دقيقة، من جمع النسخ، والمقابلة بينها بعد ترتيبها من حيث الزمان، أو من حيث الجودة والإتقان.
ثم تبدأ عملية تحليل المادة وردها إلى أصول المؤلف التي نقل منها مقارنًا بين ما عنده وما في تلك الأصول.
وهذه العملية من أشق عمليات التحقيق، وأحوجها للتنبه والتيقظ الشديدين، حيث تجمع هذه العملية عمليات متعددة، من تصنيف مصادر المؤلف، واكتشاف منهجه، ومقارنة استنتاجاته باستنتاجات غيره، والوقوف على أوهامه المادية والمعنوية.
وكل هذا يحتاج لتصنيفه في جذاذات خاصة، بحيث يصبح المحقق يسجل كل شاردة وواردة، لإمكان الاستفادة منها في تحليل ظاهرة أو توصيل