للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَال إِنَّه لَا يَقع عقيب الْكَلَام الْمُجْمل فان وَقع عَقِيبه فانه يطول وَفِي كلا الْحَالَتَيْنِ يتَأَخَّر الْبَيَان فان قَالُوا بِالْأولِ فقد أبطلوا لِأَن فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة وللحج أدل على صفتهَا من وَصفه لَهَا لما فِي الْمُشَاهدَة للشَّيْء من المزية على الْخَبَر عَن الشَّيْء وَلِهَذَا بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج بِفِعْلِهِ وَقَالَ خُذُوا عني مَنَاسِككُم وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبَين أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوضُوء بفعلهم وَإِن أَرَادوا أَنه لَا يَقع بِهِ الْبَيَان إِلَّا مَعَ غَيره نَحْو أَن يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا بَيَان لِلْآيَةِ أَو يضْطَر من قَصده إِلَى ذَلِك أَو يَتْلُو كلَاما مُجملا ثمَّ يفعل فعلا يجوز أَن يكون بَيَانا لَهُ وَلَا تَجِد بَيَانا غَيره فَذَلِك مِمَّا لَا خلاف فِيهِ إِلَّا أَن الْبَيَان هُوَ الْفِعْل لِأَنَّهُ المتضمن لصفة الْفِعْل دون القَوْل الْمُعَلق للْفِعْل بالمبين وَإِن أَرَادوا الْوَجْه الثَّالِث من أَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِير الْبَيَان فَبَاطِل لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتعقب الْفِعْل القَوْل كَمَا يتعقبه القَوْل وَالْفِعْل وَإِن طَال فَالْقَوْل قد يكون طَويلا أَيْضا فصح وُقُوع الْبَيَان بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا وَأما الْمُخَالف فَأَنَّهُ يحْتَج بِهَذِهِ الْأَقْسَام الَّتِي ذَكرنَاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي تَقْدِيم القَوْل على الْفِعْل فِي الْبَيَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب يتَضَمَّن مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يُقَال إِذا كَانَ القَوْل بَيَانا وَالْفِعْل بَيَانا فَأَيّهمَا أكشف وَالْجَوَاب أَن الْفِعْل أكشف لِأَنَّهُ ينبىء عَن صفة الْمُبين مُشَاهدَة وَالْقَوْل إِخْبَار عَن صفته وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان وَالْأُخْرَى أَن يرد بعد الْآيَة المجملة فعل وَقَول يحْتَمل أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيَانا لَهَا فَيُقَال أَيهمَا قصد بِهِ الْبَيَان وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَن يتنافى حكم البيانين أَو لَا يتنافى فان لم يتنافى فضربان أَحدهمَا علم تقدم أَحدهمَا على الآخر فَيكون الْمُتَقَدّم هُوَ الَّذِي قصد بِهِ الْبَيَان الْمُبْتَدَأ لِأَن الْبَيَان لَا يتَأَخَّر وَيكون الْمُتَأَخر تَأْكِيدًا للْبَيَان وَالْآخر لَا يعلم تقدم أَحدهمَا على الآخر

<<  <  ج: ص:  >  >>