للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي دلَالَة النَّهْي على الْفساد

قَالُوا النَّهْي نقيض الْأَمر وَالْأَمر يدل على إِجْزَاء الْمَأْمُور بِعْ فَيجب أَن يدل النَّهْي على نفي إِجْزَاء المنهى عَنهُ وَنفي إِجْزَاء الْفِعْل هُوَ فَسَاده أجَاب قَاضِي الْقُضَاة بِأَن الْأَمر لَا يدل على الْإِجْزَاء لِأَنَّهُ يُفَسر الْإِجْزَاء بِنَفْي وجوب الْقَضَاء وَقد تقدم القَوْل فِي ذَلِك وَنحن نفسر الْإِجْزَاء بِغَيْر ذَلِك ونقول إِن الْأَمر يدل على إِجْزَاء الْمَأْمُور بِهِ على التَّفْسِير الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَقد أجبنا فِي الْمُعْتَمد عَن الدّلَالَة فَقُلْنَا إِذا كَانَ النَّهْي هُوَ نقيض الْأَمر فَيجب أَن لَا يدل على مَا يدل عَلَيْهِ الْأَمر من الْإِجْزَاء والمخالف لَا يَقُول إِن النَّهْي يدل على إِجْزَاء المنهى عَنهُ وَإِن قَالَ إِن المجزىء عَنهُ قد يكون مجزئا

ولمعترض أَن يعْتَرض ذَلِك فَيَقُول لَيْسَ يَكْفِي أَن لَا يدل نقيض الشَّيْء على مَا يدل عَلَيْهِ الشَّيْء بل يجب أَن يدل على نقيض مَا دلّ عَلَيْهِ الشَّيْء أَلا ترى أَن قَوْلنَا زيد لَيْسَ بأبيض لما كَانَ نقيض قَوْلنَا زيد أَبيض دلّ على نقيض مَا يدل عَلَيْهِ قَوْلنَا زيد ابيض فقد دلّ على نفي مَدْلُول قَوْلنَا زيد أَبيض وَالْجَوَاب عَن الدّلَالَة أَن الْأَمر هُوَ استدعاء إِلَى الْفِعْل وَيَقْتَضِي أَن يفعل لَا محَالة فاذا كَانَ النَّهْي نقيضه فَيجب أَن يكون استدعاء إِلَى الْإِخْلَال بِالْفِعْلِ وَيَقْتَضِي أَن لَا يفعل لَا محَالة فقد قُلْنَا إِن مَدْلُول أَحدهمَا هُوَ نقيض مَدْلُول آخر وَأما إِجْزَاء الْمَأْمُور بِهِ فانه يعلم بِنَظَر آخر على مَا ذكر

فان قيل فاذا تبع مَدْلُول الْأَمر الْإِجْزَاء فَيجب أَن يتبع مَدْلُول نقيض الْأَمر نقيض مَا يتبع مَدْلُول الْأَمر وَهُوَ نفي الْإِجْزَاء وَهَذَا هُوَ الْفساد قيل لَا يجب ذَلِك لِأَن التَّابِع لاقْتِضَاء الْأَمر لإيقاع الْفِعْل لَا محَالة وَهُوَ إجزاؤه وَهُوَ سُقُوط التَّعَبُّد بِهِ وَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ تَابع لاقْتِضَاء النَّهْي للإخلال بِالْفِعْلِ لَا نقيضه وَذَلِكَ لِأَن النَّهْي إِمَّا أَن يكون نهيا عَن مُجَرّد الْفِعْل أَو يكون نهيا عَن إِيقَاع عبَادَة على وَجه فَالْأول هُوَ أَن يُقَال للمكلف لَا تدخل الدَّار فَمَتَى لم يدخلهَا فقد أَجزَأَهُ ذَلِك فِي سُقُوط التَّعَبُّد بالإخلال بذلك فِي ذَلِك الْوَقْت

<<  <  ج: ص:  >  >>