خبر الْوَاحِد باباحته وَيعلم أَنه غير مَحْض وَأَنه فِيهِ مَنْفَعَة وَإِن منع الْعقل من الشَّيْء بِغَيْر شَرط نَحْو مَنعه من حسن تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فَمَتَى ورد خبر بِخِلَاف ذَلِك فَإِن أمكن تَأْوِيله من غير تعسف جَوَّزنَا أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه وعنى التَّأْوِيل الصَّحِيح وَإِن لم يُمكن تَأْوِيله إِلَّا بتعسف لم يجز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه على ذَلِك الْوَجْه لِأَنَّهُ لَو جَازَ التَّأْوِيل مَعَ التعسف بَطل التَّنَاقُض من الْكَلَام كُله وَيجب فِيمَا لَا يُمكن تَأْوِيله الْقطع على ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقلهُ وَإِن كَانَ قَالَه فَإِنَّمَا قَالَ حِكَايَة عَن الْغَيْر أَو مَعَ زِيَادَة أَو نُقْصَان يخرج بهما من الإحالة
وَإِنَّمَا لم يقبل ظَاهر الْخَبَر فِي مُخَالفَة مُقْتَضى الْعقل لأَنا قد علمنَا بِالْعقلِ على الْإِطْلَاق أَن الله عز وَجل لَا يُكَلف مَا لَا يُطَاق وَأَن ذَلِك قَبِيح فَلَو قبلنَا الْخَبَر فِي خِلَافه لم يخل إِمَّا أَن نعتقد صدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فيجتمع لنا صدق النقيضين أَو لَا نصدقه فنعدل عَن مَدْلُول المعجز وَذَلِكَ محَال
فصل فِي خبر الْوَاحِد إِذا رفع مُقْتَضى الْكتاب أَو سنة متواترة
اعْلَم أَن خبر الْوَاحِد إِنَّمَا يكون رَافعا للْكتاب إِذا نفى أَحدهمَا مَا اثبته الآخر على الْحَد الَّذِي أثْبته أَو أثبت أَحدهمَا ضد مَا أثْبته الآخر على الْحَد الَّذِي أثْبته فَالْأول نَحْو أَن يَقُول فِي أَحدهمَا ليصل فلَان فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ على الْوَجْه الْفُلَانِيّ وَينْهى فِي الآخر عَن هَذِه الصَّلَاة على هَذَا الْحَد وَالثَّانِي أَن يامر بِتِلْكَ الصَّلَاة فِي مَكَان آخر فِي ذَلِك الْوَقْت بِعَيْنِه فان كَانَ الْخَبَر يُنَافِي الْكتاب من غير نسخ لم يجز قبُوله لأَنا قد علمنَا أَن الله تَعَالَى قد تكلم بِالْآيَةِ وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تكلم بِمَا تَوَاتر من نَقله عَنهُ فَلَو أَخذنَا بِخَبَر الْوَاحِد لَكنا قد تركنَا بِالْجُمْلَةِ مَا قد علمنَا أَن الله عز وَجل قَالَه وعدلنا إِلَى مَا لَا نعلم أَنه صدق
إِن قيل هلا قُلْتُمْ إِن الله سُبْحَانَهُ أَرَادَ بِالْآيَةِ مقتضاها بِشَرْط أَن لَا يعارضها خبر وَاحِد قيل فَهُوَ عَالم بمعارضة خبر الْوَاحِد لَهُ فَلَا يجوز هَذَا