الْفِعْل عقلية كَانَت أَو سمعية فَهُوَ يرجع إِلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَال وَإِن لم يعرف الطَّرِيقَة فضربان أَحدهمَا أَن يكون فعله بَيَانا لمجمل وَالْآخر لَا يكون بَيَانا لمجمل فان كَانَ بَيَانا لمجمل فَذَلِك الْمُجْمل هُوَ دَال على الْوُجُوب أَو النّدب أَو الْإِبَاحَة وَإِن لم يكن بَيَانا لمجمل فانه لَا يدل على شَيْء حَتَّى يعرف الْوَجْه الَّذِي أوقعه عَلَيْهِ فان أوقعه على الْوُجُوب دلّ على وجوب مثله علينا وَإِن أوقعه على النّدب دلّ على أَن مثله ندب منا فان أوقعه مستبيحا لَهُ كَانَ منا مُبَاحا
والذاهبون إِلَى أَن أَفعاله دَالَّة بمجردها على الْوُجُوب يحتجون لذَلِك بِالْعقلِ والسمع أما حجاجهم الْعقلِيّ فأشياء
مِنْهَا قَوْلهم إِن كَونه نَبيا يَقْتَضِي ذَلِك وَإِلَّا نفر عَنهُ وَالْجَوَاب أَنا قد بَينا من قبل أَنه لَا تنفير فِي نفي مشاركتنا لَهُ فِي الْفِعْل وَلَو ثَبت فِي ذَلِك تنفير لَكَانَ إِنَّمَا يحصل التنفير إِذا لم يجب علينا مثل مَا وَجب عَلَيْهِ وَإِذا لم نعلم أَن مَا فعله وَاجِب عَلَيْهِ فَلَا تنفير فِي كَونه غير وَاجِب علينا
وَمِنْهَا قَوْلهم إِن الْفِعْل آكِد فِي الدّلَالَة من القَوْل وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَقّق أمره بِفِعْلِهِ كَمَا يَفْعَله فِي الْحَج وَالصَّلَاة فاذا أَفَادَ الْأَمر الْوُجُوب كَانَ الْفِعْل أولى بذلك وَالْجَوَاب أَن الْفِعْل آكِد فِي الْإِبَانَة عَن صفة الْفِعْل من القَوْل للمشاهدة من المزية على الْوَصْف وَالْفِعْل كالمشاهدة وَلَيْسَ الْفِعْل وَصفا للْوُجُوب حَتَّى يكون أدل عَلَيْهِ من الْأَمر
وَمِنْهَا قَوْلهم إِن الْوُجُوب أَعلَى مَرَاتِب الْفِعْل فَوَجَبَ حمل فعله عَلَيْهِ وَالْجَوَاب يُقَال لَهُم لم إِذا كَانَ الْوُجُوب أَعلَى مَرَاتِب الْفِعْل وَجب حمله عَلَيْهِ فان قَالُوا لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاط قيل بل الِاحْتِيَاط أَن يحمل الْفِعْل على الْوُجُوب إِذا دلّت الدّلَالَة عَلَيْهِ لَا غير وَإِذا لم تدل الدّلَالَة على وُجُوبه فَنحْن من ضَرَر تَركه آمنون والخطر حَاصِل فِي اعْتِقَاد وُجُوبه لأَنا لَا نَأْمَن أَن يكون غير وَاجِب فنكون معتقدين اعتقادا لَا نَأْمَن كَونه جهلا