للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِن قيل المُرَاد بذلك أَن يشْهدُوا بذلك فِي الْآخِرَة على الامم السالفة أَن أنبياءهم بلغت إِلَيْهِم الرسَالَة وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَونهم دولا فِي حَال مَا يشْهدُونَ دون حَال الدُّنْيَا وَالْجَوَاب أَنه لَو كَانَ هَذَا هُوَ المُرَاد لقَالَ سنجعلكم أمة وسطا وَأَيْضًا فانهم إِن شهدُوا بتبليغ الرُّسُل إِلَى الامم قبلهم والامم قد شاهدت ذَلِك فعلمهم بذلك أقوى من علم هَذِه الْأمة فَلم يجز أَن يستشهد الْأَنْبِيَاء بِمن علمه أَضْعَف وَأَيْضًا فَجَمِيع الامم عدُول فِي الْآخِرَة على معنى أَنهم لَا يَفْعَلُونَ الْقَبِيح فَلَا معنى لتخصيص هَذِه الْأمة بِالْعَدَالَةِ لَو كَانَ المُرَاد بِهِ الْآخِرَة

إِن قيل قَوْله {ليشهدوا} لَيْسَ فِيهِ لفظ عُمُوم فَيَقْضِي أَن يشْهدُوا بِجَمِيعِ أَنْوَاع الشَّهَادَات فَمَا يؤمنكم أَن يكون المُرَاد بذلك ليشهدوا على من بعدهمْ بِإِيجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِبَادَات عَلَيْهِم قيل لَو كَانَ المُرَاد ذَلِك لم يُؤثر فِيمَا ذَكرْنَاهُ من أَن وَصفهم بِالْعَدَالَةِ يمْنَع من كَونهم مقدمين على كَبِيرَة وعَلى أَنه إِن أُرِيد بذلك إخبارهم من جِهَة التَّوَاتُر فَلَا معنى لجعلهم عُدُولًا لهَذَا الْغَرَض لِأَن بِخَبَر مثلهم يَقع الْعلم إِذا نقلوا بأجمعهم وَإِن لم يَكُونُوا عُدُولًا وَإِن أُرِيد بذلك أَنه جعلهم عُدُولًا ليخبرونا بالآحاد فَذَلِك غير مَوْجُود فِي كل وَاحِد مِنْهُم لِأَنَّهُ لَيْسَ كل وَاحِد من الْأمة عدلا إِذا انْفَرد

فان قيل المُرَاد أَن أَكْثَرهم عدل قيل الظَّاهِر من قَوْله جَعَلْنَاكُمْ من وَجه بِالْخِطَابِ إِلَيْهِم وهم أهل الْعَصْر فَيجب أَن يَكُونُوا بأجمعهم عُدُولًا فِي تِلْكَ الْحَال وَفِي الشَّيْء الَّذِي أَجمعُوا عَلَيْهِ ودانوا بِهِ وَلَو ثَبت أَن أَكْثَرهم لَا يواقعون كَبِيرَة صَحَّ أَن الْإِجْمَاع حجَّة لِأَنَّهُ إِن كَانَ كثير من الْأمة لَا يواقعون كَبِيرَة أصلا فقد تحققنا أَنه إِذا اتّفقت الامة كلهَا أَن مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ لَيْسَ بكبير لدُخُول أُولَئِكَ فِي الْجُمْلَة

إِن قيل المُرَاد بذلك أَنه جعل أَكْثَرهم عُدُولًا فِي الظَّاهِر لَا فِي الْحَقِيقَة

<<  <  ج: ص:  >  >>