فان قيل وَلم قُلْتُمْ إِن مَا لَا يتلخص فِيهِ طَريقَة مُعينَة لَا بُد فِيهِ من أَمارَة قيل لِأَن الله سُبْحَانَهُ كلفنا فِي ذَلِك الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر وَلَا بُد من أَن نجتهد فِي طَرِيق إِمَّا دلَالَة وَإِمَّا أَمارَة فَإِذا لم يكن دلَالَة فَلَا بُد من أَمارَة وَإِن لم يتلخص الْعبارَة عَنْهَا وَلِهَذَا يجد الْإِنْسَان فِي نَفسه أمرا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الظَّن فان مَا عمله فِي الصَّلَاة عمل قَلِيل وَإِن لم يتلخص الْعبارَة عَنهُ
وَاعْلَم أَن الأمارة لَا بُد من أَن يكون بَينهَا وَبَين مَا هِيَ أَمارَة فِيهِ تعلق لَوْلَا ذَلِك لم يكن بِأَن يكون أَمارَة عَلَيْهِ أولى من أَن لَا يكون أَمارَة عَلَيْهِ أَو أَمارَة على غَيره وَذَلِكَ التَّعَلُّق ضَرْبَان أَحدهمَا أَن تكون الأمارة كالمؤثرة فِي مدلولها على الْأَكْثَر والأغلب وَالْآخر أَن تكون لَوْلَا مدلولها لما كَانَت الأمارة على الْأَمر الْأَكْثَر وَيكون مدلولها كالمؤثر فِيهَا وَيجوز حُصُول الأمارة على الندرة من دون مدلولها مِثَال الأول من العقليات الْغَيْم الرطب فِي زمن الشتَاء لِأَنَّهُ كالمؤثر فِي نزُول الْمَطَر وَهُوَ أَمارَة عَلَيْهِ ومثاله أَيْضا دين الْإِنْسَان فانه مُؤثر فِي تجنبه الْكَذِب وَهُوَ أَمارَة عَلَيْهِ ومثاله فِي الشرعيات وجود عِلّة الأَصْل فِي الْفَرْع فانها أَمارَة لثُبُوت حكمه وَهِي طريقنا إِلَى ثُبُوت الحكم فِيهِ إِذا دلّ الدَّلِيل على وجوب الْقيَاس وَمِثَال الْقسم الثَّانِي من العقليات أَن نعلم أَن فِي بعض الْمنَازل مَرِيضا قد شفي ثمَّ يسمع الصُّرَاخ من دَاره فَذَلِك أَمارَة على مَوته وَمَوته هُوَ الْمُؤثر فِي الصُّرَاخ ولولاه لم يكن الصُّرَاخ فِي الْأَكْثَر وَإِن جَازَ أَن يكون سَبَب حُدُوثه غير مَوته ومثاله من الشرعيات ثُبُوت الحكم فِي الأَصْل مَعَ وصف وانتفاؤه فِي الأَصْل عِنْد انتفائه فَذَلِك أَمارَة لكَون ذَلِك الْوَصْف عِلّة للْحكم فِي الأَصْل لِأَن حُصُول الحكم بِحُصُول الْوَصْف وانتفاؤه بانتفائه طَرِيق إِلَى كَون ذَلِك عِلّة فاذا لم يكن دلَالَة فَهُوَ إِذا أَمارَة على ذَلِك وَلَوْلَا أَن ذَلِك الْوَصْف هُوَ عِلّة الحكم لم تحصل هَذِه الأمارة أَعنِي ثُبُوت الحكم بِثُبُوت الْوَصْف وانتفاؤه بانتفائه وَإِذا ثَبت أَن ذَلِك الْوَصْف هُوَ عِلّة الحكم فِي الأَصْل ثَبت كَونه أَمارَة على وجوب الحكم فِي الْفَرْع وَلَيْسَ يمْتَنع كَون الحكم على كَيْفيَّة مَخْصُوصَة أَمارَة على أَن بعض أَوْصَاف الأَصْل هُوَ عِلّة حكمه